هذا الحبيب 208  – السيرة النبوية العطرة (( قرار فتح مكة ))

هذا الحبيب 208  - السيرة النبوية العطرة (( قرار فتح مكة ))

هذا الحبيب 208  – السيرة النبوية العطرة (( قرار فتح مكة ))
____________
بعد نقض قريش صلح {{ الحديبية }}
قرر النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يقوم بغزو مكة
وسبحان الله العظيم إذا أراد امراً ، يهيئ له الأسباب
جاء نقض الصلح من قريش في هذا الوقت
فمكة بيت الله الحرام، ولا يجوز أن تكون تحت حكم المشركين
ولا يجوز أن تكون هناك أصنام حول الكعبة
ولا يجوز أن يطوف البعض بالبيت عرايا
ولا يجوز أن يكون في مكة بيوت دعارة، وهناك بصفة عامة أوضاع كثيرة غير مقبولة في مكة
كما أن مكة لها مكانتها المعروفة بين العرب
فلو فتحها المسلمون لدخلت {{الجزيرة العربية }}كلها في الإسلام
وهذا ما حدث بالفعل كما قال تعالى
{{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا }}
و غدر قريش ونقضهم صلح الحديبية أمر قد لا يتكرر مرة أخرى
لأن قريش تعلم جيدا أن موازين القوى أصبحت في ذلك الوقت في صالح المسلمين تماما ، وكان هذا الإعتداء من جانبهم على خزاعة تهورا وتصرفا أحمقا غير مبرر
فهم ليسوا على عداوة مع {{ خزاعة }} بالأصل
ولا هم علاقتهم بهذه القوة مع {{ بنو بكر }} ولو تكرر هذا الموقف مائة مرة لما تهورت قريش وأقدمت على ما هي اقدمت عليه
ولو لم تنقض قريش الصلح ، كان يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتظر {{ ٨ }} سنوات أخرى
وهي المدة الباقية من صلح الحديبية، لأن المسلمون يحترمون تعاهداتهم، ولا يمكن أن ينقض الرسول صلى الله عليه وسلم العهد ابدا
فقرر النبي صلى الله عليه وسلم غزو مكة ، ولكنه لم يخبر احدا
____________
نرجع لقريش
ومثل ما يقول العوام من الناس [[ راحت السكرة وجاءت الفكرة يعني جاء العقل بعد الجنون ]]
وأخذت {{ قريش }} تبحث عن حل للمشكلة التي أوقعت نفسها فيها
فقالوا :_ ما فعلناه إن بلغ محمداً ، فهو نقض للصلح فما العمل ؟؟
قريش خائفة لنقضهم الصلح مع المسملين
والسبب
هي تعلم جيدا أنها الآن أضعف بكثير من المسلمين
وتعلم جيدا أنه اذا كانت القوة متعادلة بين الفريقين في السنة السادسة من الهجرة، عند توقيع صلح الحديبية
فان القوة الآن في صالح المسلمين بعد عامين فقط في السنة الثامنة من الهجرة
فقد رأت قريش أن المسلمون قد انتصروا بعد {{الحديبية }} في معركتين من أصعب المعارك
وهما {{ خيبر }} و{{ مؤتة }}
{{ خيبر }} بحصونها وكثرة مقاتليها أقوى من قريش
وفي {{ مؤتة }} ثبت المسلمون أمام جيش الإمبراطورية الرومانية
وتعلم قريش أن الجيش الإسلامي مدرب تدريبا جيدا، لكثرة المعارك التي خاضها في فترة قصيرة جدا، وتعلم أن الروح المعنوية للجيش مرتفعة جدا
من جهة أخرى تضاعفت أعداد المسلمين في هذه الفترة من الزمن
ودخلت كثير من القبائل بل والممالك في الإسلام
فاليمن دخلت في الإسلام
وعمان دخلت في الإسلام، ودخلت كثير من القبائل في حلف النبي صلى الله عليه وسلم
بينما أحلاف قريش قليلة جدا وغير قوية، وتكاد تكون محصورة في ذلك الوقت في {{ بنى بكر }} فقط
شيء آخر وهو تناقص أعداء المسلمين ، وضعفت شوكتهم، فاليهود انتهى خطرهم تماما
و{{ غطفان }} التي كانت القوة الأكبر في حصار المدينة في الأحزاب انتهى خطرها كذلك وجاءت وفودها تعلن الإسلام
_________
كانت قريش تعلم كل ذلك ، ولذلك اجتمعت قريش لتبحث عن حل لهذه المشكلة التي أوقعت نفسها فيها
وهي نقضها لبنود صلح {{الحديبية }} وبالتالي احتمال دخولها في حرب جديدة مع المسملين، بل وغزو المسلمين لمكة
وقررت قريش في هذا الإجتماع أن ترسل {{ ابو سفيان بن حرب }}
فقالوا له: ما لها سواك يا أبا سفيان ، اخرج إلى محمد فكلمه في تجديد العهد وزيادة المدة
وكانت بنته زوجة النبي {{ ام حبيبة رملة بنت ابو سفيان رضي الله عنها }}
قالوا له :_ تذهب لزيارت بنتك ، ومن خلالها تصل لمحمد وأطلب إليه أن يشد بالعهد ويزيد في المدة
وخرج ابو سفيان وحده لتجديد العهد، وطلب مد مدة الهدنة
سيد قريش يقوم بهذه المهمة بنفسه؟؟!!!
كان هذا تنازل كبير عن كرامة قريش وكبرائها
وهذه هي أول مرة في تاريخ قريش تقدم فيه مثل هذا التنازل
ولكن قريش رأت أن تقدم هذا التنازل وتخسر هذه الخسارة خير لها ألف مرة من خسارة أكبر كثيرا ، لو قام المسلمون بغزو مكة، وهذا يدل على مدى الرعب والرهبة الذي كانت فيه قريش من المسلمين
____________
انطلق {{ أبو سفيان}} من {{ مكة }}
ووصل أبو سفيان الى المدينة، وكان عمره في ذلك الوقت
{{ ٧٠ عاما }}
واتجه أول الأمر الى ابنته {{ أم حبيبة}} زوجة النبي صلى الله عليه وسلم
وقلنا من قبل ان النبي صلى الله عليه وسلم
كان قد تزوجها منذ عام واحد في السنة {{السابعة من الهجرة}} وهي بالحبشة
وكانت {{ أم حبيبة ، رملة بنت أبي سفيان }} من اوائل المسلمين الذين أسلموا في مكة وهاجرات للحبشة
وذكرنا قصتها بالتفصيل
وأبو سفيان له {{ ١٧ }} من الابناء
{{ ١٠ }} من البنات و {{ ٧ }} من الأولاد
منهم ولده الأكبر {{ حنظلة }} قتل في بدر كافرا
فأبو سفيان لقب ، أم كنيته الحقيقية {{ أبو حنظلة }}
ومن ابناءه {{معاوية بن ابي سفيان }} الذي أصبح خليفة المسلمين
طرق باب حجرة بنته {{ أم حبيبة }} رضي الله عنها
فلما فتحت نظرت الى أبيها
وكان هذا اللقاء بعد غياب {{ ١٦ سنة }}
فكان {{أبو سفيان}} يعتقد من {{أم حبيبة}} استقبالاً حافلاً ولكن {{ أم حبيبة }}
نظرت إلى ابوها سيد قريش ، ولكنه عدو لرسول الله
فسكتت ولم تتكلم وحارت بأمرها
فأراد ابوها أن يفك هذه الحيرة فدخل من دون أن تقول له ادخل
ولما ان أراد أن يجلس على الفراش الوحيد في الغرفة، وهو فراش النبي صلى الله عليه وسلم ، اذا بها تسرع وتطوي الفراش حتى لا يجلس عليه أبوها
فتعجب وكانت صدمة له ، فأراد ان يخرج من هذا الحرج
وقال لها بلطف :_ يا بنية ، ما أدري أرغبتِ بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟!
[[ يعني لم تجلسيني على الفراش لأني رجل عظيم لا يصح أن أجلس على هذا الفراش المتواضع، أم أنا أقل من أن أجلس على هذا الفراش ]]
وانظروا ما أجمل الإيمان بالله عندما يكون صادقاً لا يعرف المداهنة ، حتى ولو كان ابوها
قال تعالى {{ لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ }}
:_يا بنية ، ما أدري أرغبتِ بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟!
فقالت له أم حبيبة في صلابة وجفاء واضح
:_ هو فراش رسول الله، وأنت مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراشه
[[فصدم أبو سفيان من رد ابنته ودارت الأرض به ]]
وقال: _ يا بنية، والله لقد أصابك بعدي شرٌّ كبير
قالت :_ بل أصابني الخير الكثير وهداني الله تعالى للإسلام وأنت تعبد حجرا لا يسمع ولا يبصر، واعجب منك يا أبتِ وأنت سيد قريش وكبيرها
قال :_أأترك ما كان يعبد آبائي وأتبع دين محمد؟
[[إذا كان هذا جوابها عندما أراد أن يجلس فكيف لو أراد أن يناقشها بأمور أخرى ]]
فتركها وخرج
_________
واتجه {{ أبو سفيان}} الى الرؤف الرحيم ، اتجه إلى المبعوث رحمة للعالمين ، اتجه إلى صاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم
فدخل إلى مسجده فوراً فسلم وجلس
وقال :_ يا محمد حين انعقد الصلح مع قريش لم أكن شاهده
[[انظروا إلى نفاق المشركين و لغتهم ومن سار في طريقهم ومذهبهم ]]
:_ يا محمد حين انعقد الصلح مع قريش لم أكن شاهده ، وقد تبدلت الايام وتغيرت ، وأمر قريش بين يدي فأحببت ان أتيك
واشد بالعهد وازيد بالمدة
[[ماشاء الله على السياسة وأهلها عندما يضعف العدو أول شيء يقوم به المفاوضة ]]
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم من جوامع الكلم
قال له :_ هل كان هناك حدث ؟؟ [[ يعني صار شي ]]
قال ابو سفيان :_ لا معاذ الله، نحن على عهدنا وصلحنا لانغير ولا نبدل
قال :_ إذن هو ذاك العهد على ما هو عليه
[[ كلمتين هل من حدث ؟؟ لا ، إذن هوذاك نحن على عهدنا ]]
ثم أعرض بوجهه عنه صلى الله عليه وسلم
____________
فخرج {{ أبو سفيان}} من عند النبي صلى الله عليه وسلم واتجه الى {{ أبو بكر}}
وقال :_ يا با بكر كلم لنا صاحبك يجدد العقد و يزيد في المدة
فقال له ابو بكر :_جواري في جوار رسول الله
[[ يعني ما أنا بفاعل، فلن أتوسط بينك وبين الرسول ، رأيي من رأيه ]]
____________
فخرج {{ أبو سفيان }} من عند {{ أبي بكر }}
فتوجه الى {{ عمر بن الخطاب }} وطلب منه كما طلب من أبي بكر أن يتوسط له عند النبي صلى الله عليه وسلم ولكن عمر رد عليه :_ أنا أشفع لكم عند رسول الله، فوالله الذي لا إله الاهو لو لم أجد لكم إلا الذر لجاهدتكم به.
[[ أي لو لم يكن معي الا جيش من النمل لقاتلتكم به يعني اذا مات الرجل كلهم وما بقي رجال بغزوكم بالنمل ]]
___________
وخرج {{ أبو سفيان }} من عند {{ عمر}}
واتجه الى {{علي بن ابي طالب}} ودخل عليه في بيته، وكانت معه زوجته السيدة {{فاطمة}}
فقال أبو سفيان لعلي:
– يا علي، إنك أَمَسُّ القوم بي رحماً ، وأقربهم مني قرابة، وقد جئت في حاجة، فاشفع لي الى محمد
فقال على بن ابي طالب:_ ويحك يا أبا سفيان ! والله إذا عزم رسول الله على أمرٍ ما نستطيع أن نكلمه فيه
[[يعني ايش بتحكي انت والله لا أحد يستطيع أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر ]]
فقال :_ أليس عندكم من قِرا [[ يعني ضيافة قدمولي شي اشربه ]] فأحضرت له السيدة فاطمة الضيافة
وكان {{الحسن }} طفلا صغيرا ، يلعب في البيت
فأراد {{أبو سفيان}} أن يتلطف الى السيدة فاطمة لعله تشفع له، وهو يعلم حب النبي صلى الله عليه وسلم لها
فقال للسيدة فاطمة:_يا بنت محمد ، هل لك أن تأمري بُنيك هذا فيُجير بين الناس ،ارفعي ولدك هذا ، وقولي قد أجار الحسن بن علي ، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟
ولكن السيدة {{فاطمة}} تجاهلة مزاحه وقالت في وقارها:_
والله ما بلغ بُني ذلك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأسقط في يد أبو سفيان وقال: _يا أبا الحسن، إني أرى الأمور قد اشتدت عليَّ والأبواب كلها قد سدت فانصحني
فقال له علي: _والله يا أبا حنظلة [[ كما قلنا هو ابو حنظلة ولكن اشتهر بكنية ابو سفيان ]]
_والله يا أبا حنظلة لا أعلم شيئا يغني عنك، ولكنك انت سيد بني كنانة، فقم فأَجِر بين الناس، ثم الحق بأرضك.
[[أي قم وسط الناس، وقل أنك أجرت بين الناس، أي أنك حجزت بين الناس، ومنعت وقوع الحرب بينهم، ولأنك سيد بني كنانة وشخصية لها مكانته في الجزيرة فالمفروض أن يحترم الناس هذه الإجارة ]]
فقال أبو سفيان: أوترى ذلك مُغنياً عني شيئاً؟
قال علي بن أبي طالب: _ لا والله ما أظن، ولكن لا أجد لك غير ذلك
فقام {{أبا سفيان}} ودخل المسجد وقال: _يا أيها الناس، إني قد أَجرت بين الناس
فلم يرد على {{ أبو سفيان}} أحد ولم يلتفت اليه أحد
____________
ركب أبو سفيان بعيره راجعا إلى مكة، ومر في طريقه على سلمان وصهيب وبلال
فقالوا: _ والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها
[[ يعني مثل ما نقول يا حسرة على هذه السيوف التي بأيدينا لم تقتل هذا الكافر في الحروب السابقة لعلها في الايام القادمة تنال منه ]]
فسمعهم {{ أبو بكر }} فلم يعجب ابو بكر ما قالوه، فنهرهم قائلا:_ أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟!
وذهب {{أبو بكر}} وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: _يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك
وفهم {{أبو بكر}} فورا
[[ إن كنت أغضبتهم، لماذا؟ لأن هؤلاء من أولياء الله{{ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون }} يقول الله في الحديث القدسي من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، فمن أغضب أولياء الله ، فإنه يغضب الله عزوجل ، لذلك اخفى الله أولياءه بين البشر حتى يكون الناس على حذر ولا يتجرأ أحد ، أن يؤذي إنسان ويكون هذا الانسان في علم الغيب من اولياء الله ]]
وذهب ابوبكر من فوره الى سلمان وصهيب و بلال وقال لهم:_ يا إخوتاه، أغضبتكم؟
قالوا: _لا، يغفر الله لك يا أُخيَّ
[[اذن كان هناك منتهى الغلظة في التعامل مع أبو سفيان ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أي منهم ما فعله، لأن الموقف موقف حرب، ولابد من الغلظة في التعامل مع الكفار في وقت الحرب ]]
قال تعالى {{ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }}
__________
ورجع أبو سفيان إلى مكة، وهو يعلم أنه قد فشل في أداء مهمته
وقال له أشراف مكة: – ما وراءك؟
فقال أبو سفيان:
– جئت محمدا فكلمته، فوالله ما رد علي شيئا، ثم جئت ابن أبي قحافة، فوالله ما وجدت فيه خيرا، ثم جئت عمر فوجدته أدنى العدو، ثم جئت عليا فوجدته ألين القوم، وقد أشار علي بأمر صنعته، فوالله ما أدري هل يغني عني شيئا أم لا؟
فقالوا: – فبماذا أمرك؟
فقال: – أمرني أن أُجير بين الناس ، ففعلت.
قالوا: – فهل أجاز ذلك محمد ؟
قال: – لا
قالوا: – ويحك! ما زادك الرجل على أن لعب بك.
فقال أبو سفيان: – لا والله ما وجدتُ غير ذلك
________
وعلمت قريش أن احتمال قيام معركة مع المسلمين أمر محتمل ووارد
وعلمت أن قيام النبي صلى الله عليه وسلم بغزو مكة أمر محتمل ووارد
أمر النبي صلى الله عليه وسلم الجيش بالإستعداد ، وأمر بالمسلمين من القبائل خارج المدينة أن يتجمعوا في المدينة
وكما هي عادة النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يخبر أحدا أين وجهته
{{ استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان }}
وكان صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على كتم خبر خروج الجيش الى مكة
لأنه صلى الله عليه وسلم ، كان يريد ويخطط لدخول مكة بلا قتال، وسفك دماء بالحرم
فكان يريد أن يستخدم كل عوامل القوة حتى يصل بقريش الى الإستسلام
ومن عوامل القوة هو مفاجأة العدو، وكان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه {{اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها }}
كذلك كانت هناك وحدات صغيرة بقيادة عمر بن الخطاب
تقف على مداخل المدينة [[ نسميه حاجز هويتك وين رايح وين كنت ، تحقق في الداخلين والخارجين من المدينة المنورة]]
وتتحفظ على من سلك طريق المدينة مكة، وذلك حتى يحول دون حصول قريش على أي معلومات عن تجهيزات المسلمين
_______
وبرغم ذلك فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مضطرا الى أن يقول هذا السر لكبار الصحابة ، و صحابته المقربين الذين طلب منهم مهمات عسكرية محددة
ومن هؤلاء الذين علموا بنيته في فتح مكة {{حاطب بن ابي بلتعة}} رضي الله عنه
و{{حاطب بن ابي بلتعة}} كان عمره في ذلك الوقت
{{ ٤٣ عام}} أي أنه في سن اكتمال الرجولة، وهو من المهاجرين
ومن الذين اشتركوا في بدر وثبت مع النبي في أحد
كما شهد الخندق والحديبية
وهو الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم الى المقوقس حاكم مصر
ودار بينهما حوارات طويلة
حتى قال له المقوقس في النهاية :_أنت حكيم جئت من عند حكيم
_______
ولكن في لحظة من لحظات الضعف الإنساني والصحابة ليسوا بمعصومين ، فلكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة
وهذا الصحابي الجليل ، كانت له ذلة ولكنها غير قادحة بأيمانه
فقرر {{ حاطب }}
أن يفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن يخبر قريشا بقدوم النبي اليهم
وكان السبب
أن {{ حاطب }} كان له بمكة بعض أهل بيته، وكانت له تجارة في قريش، وكان {{ حاطب}} يعاني من ايذاء قريش له في أهله وماله في مكة
فأراد {{حاطب}} أن يؤدي لأهل مكة خدمة، حتى لا يؤذونه في أهل بيته ولا في تجارته
فكتب {{حاطب}} الى أهل مكة كتابا أخبرهم فيه بمسير النبي صلى الله عليه وسلم اليهم
وأعطى {{حاطب }} هذه الرسالة الى امرأة في المدينة اسمها {{ سارة}} وكانت {{ سارة }} مغنية تغني في مكة
[[ يعني بلغة المسلمين اليوم فنانة نجمة كوكب الشرق ]]
وكانت قد قدمت المدينة تشكو الحاجة
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:- ما كان في غنائك ما يغنيك؟
فقالت: _ان قريشا تركوا الغناء منذ قتل منهم من قتل ببدر
فأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم عرض عليها الإسلام فرفضت، وقبل منها النبي صلى الله عليه وسلم أن تظل بالمدينة على كفرها
__________
فأعطى {{حاطب }}الرسالة الى هذه المرأة، وأعطاها مبلغا من المال على أن تبلغ هذه الرسالة الى قريش
وقال لها: _ اخفيه ما استطعت، ولا تمري على الطريق، فإن عليه حرسا
فخرجت فسلكت غير الطريق ، وجعلت الكتاب في قرون رأسها [[ أي ضفائر شعرها خوفا أن يطلع عليه أحد]]
وهي لا تعلم مضمون الكتاب
ولبست لباسها وكان لباسهن مسلمات وغير مسلمات احتشام كامل
واتجهت نحو مكة وعندما رأى الحرس امراة تركب دابة لم يلتفتوا اليها فليس لهم شأن بها فتركوها
فهبط جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بما صنع حاطب
فقال النبي :_قم يا علي والزبير وطلحة والمقداد، و أدركا امرأة بمحل كذا، قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم
فخذوه منها وخلوا سبيلها، فإن أبت فاضربوا عنقها
فخرجوا مسرعين خلفها ، حتى أدركوها في ذلك المحل الذي ذكره
فقالا لها:_ أين الكتاب؟
فحلفت بالله ما معها من كتاب، فاستنزلاها وفتشاها والتمسا في رحلها فلم يجدا شيئا
فقال لها علي :_ إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم قط ولا كذبنا، ولتخرجن هذا الكتاب، أو لنكشفنك، ونمزق عليك الثياب
[[امرأة مشركة وفنانة ، مش مسلمة ولما سمعت كلمة نمزق الثياب صاحت بأعلى صوتها لاااا لااااا ورب الكعبة سأعطيكم الكتاب اياكم ان تمزقوا ثيابي ، واليوم المسلمة بتمزع ثيابها لحالها ، هي بتدور بالسوق على موضة بنطلون ممزع ]]
قالت :_ اعطيكم الكتاب ، ولكن اصرفوا وجوهكم عني
[[ كمان !!! ما بدها تحل جديلة شعرها ويشوفوا شعرها مشان تخرج الكتاب لان كان اذا انكشف شعر المرأة تقوم حرب بين العرب اليوم بيحاربونا لاننا نطلب منهم يستروا شعرهم ]]
فأعرضوا بالنظر عنها
فكشفت شعرها ،و حلت قرون شعرها ، واستخرجت الكتاب منه ، فأخذ علي الكتاب منها ثم تركوها وانصرفوا
____________
ورجعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس بين اصحابه
فقال :_ اقرأ الكتاب يا علي [[ وكان علي قارئ ]] وحاطب يجلس بين الناس
فقرأ علي :_
{{ من حاطب ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل، يسير كالسيل، وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لينصرنه الله تعالى عليكم، فإنه منجز له ما وعده فيكم، فإن الله تعالى ناصره ووليه }}
فنظر النبي صلى الله عليه وسلم لحاطب
وقال له :_ ماهذا يا حاطب ؟ !!
فقال حاطب:_ بأبي وأمي انت يا رسول  الله ، والله ماكفرت منذ ان آمنت ، ولكن امهلني حتى اقول لك
قال :_ قل
قال :_ يا رسول الله، لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش [[يعني حليفا لقريش مش من قريش ]]
وليس احد من اصحابك من المهاجرين إلا ولهم قرابات يحمون بها أهليهم وأمواله، فأحببت إذا فاتني ذلك من النسب فيهم، أن اتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام
فقال النبي :_ أما أنه فقد صدقكم
[[كان ما فعله حاطب رضي الله عنه جريمة شنعاء، وبتعبير العصر فهي خيانة عظمى، لأنه أفشى سرا عسكريا خطيرا كان يمكن أن يعرض الجيش الإسلامي كله لخطر عظيم
ولذلك فان {{عمر بن الخطاب}} لم يقنعه ما قاله حاطب، فهو بذلك يحمي أهله على حساب جيش بالكامل ]]
ولذلك قال عمر:_ يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:_ لا يا عمر ومن قال لك انه منافق ، انسيت انه بدري [[ نعم حاطب شهد بدر ]]
انسيت انه بدري ، ومايدريك يا عمر أن الله تجلى واطلع على أصحاب بدر يوم بدر
فقال:_ قد رضيت عنكم فأفعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم
يقول عمر :_ فما بقي بدري في المسجد ٱلا وجهش [[ اي بكى ]]
يعني لولا هذه الذلة من هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه من اين تأتي هذه البشرى لاهل بدر ، أن الله قد تجلى واطلع على أصحاب بدر يوم بدر وقال قد رضيت عنكم فأفعلوا، ما شئتم فقد غفرت لكم
ثم اكب حاطب على يدي النبي صلى الله عليه يقلبهما ويبكي ويقول :_ والله لم انافق يا رسول الله
والنبي يقول له :_ وانا اشهد
__________
فالرسول صلى الله عليه لم يعفو عن حاطب فقط، وانما أيضا رفع من قدره أمام المسلمين، لأن حاطب قدم تضحيات كثيرة، وله رصيد عند النبي صلى الله عليه وسلم
فليس معنى أنه أخطأ مرة أن ينسى له النبي صلى الله عليه وسلم ما قدمه من قبل
و الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، لا يريد أن يكون عونا للشيطان على {{حاطب}} فالمسلم عندما يكون صالحا ويرتكب ذنبا يوسوس اليه الشيطان أنه قد أضاع كل شيء ويحبطه عن التوبة
و النبي صلى الله عليه وسلم لا يريد لحاطب أن يسقط في هذه الدائرة، بل على العكس يريد أن يأخذ بيده حتى يخرج به من هذه الأزمة
والبطولة هي أن تأخذ بيد المخطىء وتصلحه لا أن تسحقه
__________
وقد سجل القرآن العظيم هذا الموقف لحاطب بن أبي بلتعة في أول سورة الممتحنة، يقول تعالى
{{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ }}
ونلاحظ ان الله عزوجل بهذه الآية يشهد لحاطب بالأيمان
{{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة}}
إذن وصفه بالايمان وقوله عدوي وعدوكم أي يا حاطب اعدائي هم اعدائك لأنك من أهل الله وخاصته فأنت مع الله ورسوله وعباده الصالحين
ثم دعى النبي صلى الله عليه وسلم ربه مرة أخرى
{{اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها }}

يتبع ان شاء الله