هذا الحبيب 129   – أبو العاص ابن الربيع

هذا الحبيب 129   – أبو العاص ابن الربيع

صهر النبي صلى الله عليه وسلم ، و زوج زينب بنت النبي أكبر بناته

خالته
{
{ أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها }}
وكان أبو العاص رجلا شهماً مشهور بالأمانة ، وكان يعرف في قريش بأنه رجل أمين

وكان أول صهر للنبي صلى الله عليه وسلم ، و قد تزوج من زينب قبل البعثة

كان أبو العاص
{
{ يحب زينب حباً كبيراً }}

وكذلك زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم كانت تحبه
وفي هذا الجزء سأبين لكم هذه المحبة ، وكيف فدته زينب من الأسر

______
لما جاء الوحي وبعث النبي صلى الله عليه وسلم
وسعت قريش في عداوتها للنبي صلى الله عليه وسلم
وقالوا ردوا عليه بناته

كانت
{
{ رقية وأم كلثوم بنات النبي }}
مخطوبتان زوجتان لأولاد عمه أبو لهب

فأمرته زوجته
{
{حمالة الحطب }}
بأن يطلق البنتين فقاما بتطليقهما فورا ، وقد ذكرت لكم ذلك في السيرة

____
وكان زوج ابنته الكبيرة زينب
{
{ أبو العاص }}
في تجارته للشام ، فلما رجع من سفره

فذهبت قريش كلها إلى
{
{ أبي العاص ابن ربيع }}
لكي يقنعوه أن يطلق زينب من باب
[[
التضييق على النبي ومحاربته ]]

فقال ؤبو العاص : لا وربِ هذه البنية
[[
أي الكعبة ]]
لا أفارق صاحبتي فليس بيني وبينها ما يدعو ذلك

ولم أرى من محمد إلا خيراً ، أنا لست على دينه ولكني لا أفارق ابنته

فقالوا له :
فارقها ونحن نزوجك بأي امرأة من قريش شئت،
قال : لا والله ، وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش
[[
عندي زينب بنساء قريش كلها ]]

ورجع لبيته فوجد في استقباله زوجته وحبيبته
{{
زينب وأولاده علي والبنت أمامة }}
فحمل أولاده واقترب من زينب وابتسم
وقال لها :
لاعليك لن ينال مما بيننا يا زينب ، أن تكوني على دينك وأثبت أنا على ديني
تمسك بزينب من شدة حبه لها

فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي مؤمنة تتبع دين أبيها أمسكها ومنعها من الهجرة {{ محبة بها }}

ولما هاجرت بنات النبي مع أهل البيت امتنع ابو العاص أن يأذن لزينب بالهجرة فبقيت في مكة

ولما كانت بدر خرج مع قومه مكرهاً فوقع بالأسر

____
فرآه النبي صلى الله عليه وسلم
بين الأسرى وهو يعرف حسن مصاهرته
{
{ولكن سيف الميزان والعدل قائم }}
[[
مرحباً بصهرنا ، ولكن كان قد سل سيفه علينا ]]

فأمره النبي بأن يفدي نفسه ، فأرسل إلى قريش يطلب فداء نفسه

__
فوصل الخبر إلى بنت محمد رسول الله زينب
دخلت عليها عمتها عاتكة تخبرها بانتصار أبيها في بدر فسجدت شكرا لله

ثم سألت عمتها :
وماذا فعل زوجي؟

فقالت لها :
لم يقتل زوجك ولكنه أسير ، ويطلب الفداء
فقامت زينب رضي الله عنها على الفور
وجمعت ما معها من مال

فلم يكفي للفداء ، فنزعت قلادتها من عنقها ، و وضعتها على المال
{
{ وهذه القلادة لها تاريخ وقصة }}
زينب كانت أول بنت لرسول الله تتزوج قبل نزول الوحي
وامها خديجة بنت خويلد

صاحبة التجارة التي اتجر لها النبي قبل أن يتزوجها وسيدة قريش
فلما تزوجت بنتها
[[
اعتبرتها مناسبة جميلة وجليلة ]]
فلما أرادت أن تزف العروس لزوجها

[[ مثل أي أم بنتها الكبيرة ، و أول فرحة ستتزوج بنتها ]]

لم تجد أكرم من أن تنزع قلادتها خديجة من عنقها وتنقطها لبنتها العروس
فألبست بنتها زينب قلادتها

والنبي صلى الله عليه وسلم
يعرف قلادة خديجة ، وخديجة أحب الزوجات إلى قلبه صلى الله عليه وسلم

___
فلما جاء المرسال ليفدي أبا العاص
وضع المال بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم
{
{ فداء لأبي العاص بن ربيع زوج زينب }}

فنظر النبي في المال
فوقع نظره على قلادة خديجة
فخفق قلبه صلى الله عليه وسلم
[[
أي أب سيعرف هذه المشاعر وجد صورة ابنته وخديجة بهذه القلادة ]]
و تذكر محبته وشوقه لخديجة رضي الله عنها

تذكر خديجة كيف كانت مسرورة بزواج بنتها ، عندما أعطتها القلادة
فلم يملك نفسه فبكى صلى الله عليه وسلم وذرفت عينه الدموع شوقا لخديجة أولاً
وتذكر بنته زينب
[[
وكيف معزة الزوجة للزوج لم ترسل رسالة لأبيها تستشفع لأبي العاص يجري عليها ما يجري على الجميع ]]
فلما زرفت عين النبي سأله اصحابه

ما يبكيك يا رسول الله ؟؟
فكفكف دمعه بكم قميصه
وقال :
لقد تذكرت هذه القلادة لأمكم الأولى خديجة
ألبستها لزينب ليلة زفافها
فقالوا :
ماذا ترى يا رسول الله ؟؟

قال : إن شئتم فاقبلوا الفداء ، وإن شئتم أطلقوا زوجها وردوا عليها قلادتها
[[
يعني خذوا باقي المال وخلوا القلادة هذا إذا أردتم ]]

فقال الصحابة : نفعل يا رسول الله
فأطلقوه وحملوه القلادة هدية لزينب

_____
وقبل أن ينطلق استوقفه النبي صلى الله عليه وسلم
وقال له :
يا أبا العاص لقد فرق الله بين المؤمنين والكافرين فزينب لا تحل لك زوجة بعد اليوم ، فإذا بلغت مكة فأرسلها إلينا
فقال له : نعم

ثم استدار عائدا إلى مكة وهو لا يدري كيف يرجع زينب لا يستطيع أن يفارقها
خرجت زينب تستقبل أبا العاص على أبواب مكة
فلما رآها
قال لها بألم :
يا زينب عودي إلى أبيك
ثم جهز لها زادها وراحلتها
وأخبرها بأن رسل أبيها ينتظرونها غير بعيد عن مكة
فلقد أرسل رسول الله زيد بن حارثة ، ورجل من الأنصار
ليصطحبوها للمدينة

___
ومن شدة حبه لها ، لم يتمالك نفسه بأن يوصلها إلى أطراف البادية ويودعها
فطلب من أخوه عمرو ، أن يرافقها ويسلمها في أطراف البادية لزيد بن حارثة

وقال لأخيه :
يا أخي إنك لتعلم موضعها من نفسي، فما أحبّ أن لي امرأه من قريش غيرها، وإنك لتعلم ألا طاقة لي بأن أفارقها ، فاصطحبها عني إلى طرف البادية حيث ينتظر رسولا محمد

وأرفق بها في السفر ، وارعها رعاية الحرمات ، وإياك أن يقترب منها أحد

__
تنكب أخوه عمرو قوسه، وحمل كنانته، وجعل زينب في هودجها، وخرج بها من مكة جهارا نهارا على مرأى من قريش

فهاج القوم وماجوا
ولحقوا بهما حتى أدركوهما غير بعيد
وخافت زينب بنت النبي وفزعت من قريش
فوقف عمرو وأخذ سهمه وقوسه
وقال:
والله لا يدنو رجل منها إلا وضعت سمها في نحره
[[
وكان راميا لا يخطئ له سهم ]]
فأقبل عليه أبو سفيان بن حرب سيد قريش

وقال له:
يا بن أخي، كف عنا نبلك حتى نكلمك [[ يعني نزل سلاحك حتى نعرف نحكي معك ]]
فكف عنهم

فقال له ابوسفيان :
إنك لم تصب فيما صنعت
[[
يعني اللي أنت عملته غلط ]]

فلقد خرجت بزينب علانية على رؤوس الناس، وعيوننا ترى وقد عرفت العرب جميعها أمر نكبتنا في بدر ، وما أصابنا على يدي أبيها محمد

[[ يعني الناس لسه في مكة تبكي وتنوح على قتلى بدر وأنت خرجت أمامهم بزينب بنت محمد عدوهم راعي مشاعرهم ياأخي ]]

فإذا خرجت بابنته علانية كما فعلت
رمتنا القبائل بالجبن ووصفتنا بالهوان والذل
فارجع بها

واستبقها في بيت زوجها أياما حتى إذا تحدث الناس بأننا رددناها فسلها من بين أظهرنا سرا
[[
يعني أخرجها بالسر ]]

وألحقها بأبيها، فما لنا بحبسها عنه حاجة
فرضي عمرو بذلك ، وأعاد زينب إلى مكة ثم ما لبث أن أخرجها منها ليلاً بعد أيام معدودات ، وأسلمها إلى رسل أبيها يدا بيد كما أوصاه أخوه

__
ظلت زينب ترفض الخطاب لمدة ست سنوات على أمل أن يعود إليها زوجها وأبو ولديها مسلما

وكان ةبو العاص يوما في تجارة لقريش للشام وعند عودته
التقته سرية من المسلمين
فأصابوا كل ما معهم وهرب هو منهم
وتسلل حتى وصل إلى المدينة لبيت زينب

فلما رأته ظنت أنه قد أسلم
سألته بلهفة أجئت مسلما ؟؟!!!
قال لها : لا بل جئت هارباً مستجيراً

فقالت له :
لا تخف مرحبا بابن الخالة ، مرحبا بأبي علي وأمامة

__
و لما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم
لصلاة الفجر
[[
لم يكن يعلم أن أب العاص استجار بزينب ]]

فلما استوى قائما في المحراب ، وكبر للإحرام وكبر الناس بتكبيره
صرخت زينب من صفة النساء وقالت :
أيها الناس
{
{ أنا زينب بنت محمد، وقد أجرت أبا العاص فأجيروه }}
فلما سلم النبي وانتهى من الصلاة
التفت إلى الناس
وقال: هل سمعتم ما سمعت؟!
قالوا : نعم يا رسول الله

فقال : أما والذى نفس محمد بيده.. ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتم ، وصمت
فجاءت إليه زينب بنته

وقالت :
يا رسول الله إن أبا العاص ، إن بعُد فابن الخالة وإن قرُب فأبو الولد وقد أجرته يا رسول الله
[[
يعني مهما يكن بيضل ابن خالتي وأبو أولادي ]]

فقال النبي:
يا أيها الناس إن هذا الرجل ما ذممته صهرا
وإن هذا الرجل حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي

فإن قبلتم أن تردوا إليه ماله ، وأن تتركوه يعود إلى بلده، فهذا أحب إلي. وإن أبيتم فالأمر إليكم ، والحق لكم ولا ألومكم عليه.

فقال الناس:
بل نعطه ماله يا رسول الله
فقال النبي: قد أجرنا من أجرتِ يا زينب
ثم ذهب إليها عند بيتها

وقال لها: يا زينب أكرمي مثواه فإنه ابن خالتك وإنه أبو العيال، ولكن لا يقربنك، فإنه لا يحل لك
فقالت:
نعم يا رسول الله.

_____
فلما ذهب لمكة
وقف أمام الكعبة ، وقف أبو العاص يوزع أموال التجارة الرابحة على أصحابها..

وبعد أن فرغ
قال:
يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟
فقالوا:
لا.. جزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما
فنظر إليهم ورفع صوته

قائلا:
إذن فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
ثم رجع
دخل المدينة فجرا وتوجه إلى النبي
وقال:
يا رسول الله أجرتني بالأمس واليوم جئت أقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله

ثم قال :
يا رسول الله هل تأذن لي أن أراجع زينب؟

فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم
وقال: تعال معي.

ووقف على بيت زينب وطرق الباب
وقال : يا زينب إن ابن خالتك جاء لي اليوم يستأذنني أن يراجعك فهل تقبلين؟
فأحمرّ وجهها وابتسمت رضي الله عنهما

___
عاش أبو العاص مع زينب عاما بعد أن زوجه النبي إياها من جديد
وكما قلنا كان لهما من الاولاد

علي بن أبي العاص ، وتوفي وهو صغير

و{{ أمامة }}
أما أمامة رضي الله عنها جدها محمد بن عبدالله رسول الله
عاشت إلى خلافة معاوية رضي الله عنه

أمامة هي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها أثناء الصلاة وهي طفلة صغيرة ، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها
كان يحبها صلى الله عليه وسلم جدا

ويعطف عليها
وفي يوم أهدي لرسول الله قلادة من خرز ملمعة بالذهب
ونساؤه مجتمعات في بيت كلهن
وأُمامة بنت أبي العاص جارية صغيرة ، تلعب في جانب البيت بالتراب
و الرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ينظر إليها بحب وحنان ، فابتسم
وقال : كيف ترينَ هذه؟

[[ يعني بتلعب بالتراب وحركتها بتهيج المحبة بالقلب ]]
فنظرن إليها
فقلن:
يا رسول الله ما رأينا أحسن من هذه ولا أعجب
[[
يعني مثل ما بنقول لما نشوف طفل يلعب نقول ماشاء الله عنه سبحان الذي خلقه ]]

فقال : أرددنها إلي [[ احضروها لي ]]

فلما وضعها في حِجره قال: والله لأضعنّ هذه القلادة في رقبة أحب أهل البيت إلي

تقول عائشة:
فأظلمت عليّ الأرض بيني وبينه خشية أن يضعها في رقبة غيري منهن

[[ من شدة غيرة عائشة رضي الله عنها أسودت الدنيا بعيونها خافت يحطها برقبة وحدة من زوجاته ]]

ولا أراهن إلا قد أصابهن مثل الذي أصابني، ووجمنا جميعا
[[
يعني حتى كل زوجاته شعروا بنفس شعوري ، و وجمنا يعني تجمدنا بأرضنا ننتظر النتيجة ]]

ثم قام بوضعها في رقبة أمامة بنت أبي العاص، فسُرِّيَ عنّا
[[
لما وضعها برقبة أمامة ارتاحوا ]]

_____
ماتت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها وأرضاها..
فبكاها زوجها أبو العاص بكاء شديدا

ورغم حزن النبي صلى الله عليه وسلم على فراق بنته
أخذ يهون على ابو العاص حزنه لأنه فجع بزينب لشدة محبته لها
وأخذ صلى الله عليه وسلم يهون عليه ويمسح بيده الشريفة عليه

وأبو العاص يبكي ويقول
{
{ والله يا رسول الله ما عدت أطيق الدنيا بغير زينب }}

فمات بعد سنه من موت زينب لم يتحمل
فراقها

 

اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد

يتبع الحلقة 130  …