السَّلامُ عليكَ يا صاحبي
يا للإيمان ما يفعلُ بالنَّاس
إنه يقلبُ العبدَ سيداً، والسيدُ عبداً
كان بلال بن رباح عبداً عند أُمية بن خلف حتى اللحظة التي آمن فيها
وطرحه أُمية على رمال الصحراء
صار بلالٌ هو السيد، وأمية هو العبد
كان بلال مملوكاً بجسده حُراً بقلبه
وأُمية حراً بجسده عبداً بقلبه
وما المرءُ إلا بقلبه!
وكانتْ ماشطة ابنة فرعون أَمَةً مملوكة
وكان فرعون مَلِكاً بالعرف السياسي لأهل مصر، وإلهاً بالعُرف الديني
فلما حصلتْ بينهما المواجهة انقلبت الأدوار
صار فرعون هو العبد والماشطة هي الملكة!
ألقى أولادها في الزيت واحداً تلو الآخر
وفي كل مرةٍ يسألها سؤال العبد الذليل: من ربكِ؟
فتجيبه إجابة الملكة: ربي وربك الله!
كان فرعون يملكُ جسدها، أما قلبها فكان لها
وما المرءُ إلا بقلبه!
يا صاحبي، لا تحسبنَّ أن بلالاً والماشطة نماذج من التاريخ طواها الزمن
في كل زمن هناك بلال وماشطة
بعضهم يُردد : أحد أحد
وبعضهم يُردد : ربي وربكَ الله!
سأروي لكَ قصةً ماتعةً يا صديقي، فاسمعْ!
منذ أربع سنواتٍ استقدمتُ عاملة منزليةً من أثيوبيا اسمها بورتيكان
كانت في الثامنة عشرة من عمرها، وعلى دين النصارى
ولما لاحظتُ فيها شيئاً من التَّدين
قلتُ لها: إن كنتِ تريدين الذهاب إلى الكنيسة يوم الأحد فأنا مستعدٌ أن أوصلكِ ثم أعود لاصطحابكِ بعد أن تنتهي من صلاتك
فقالت لي: لا، ولكن هل يمكن أن أصوم
قلتُ لها: بالطبع
وطلبتُ من زوجتي أن تُعِدَّ لها طعاماً لائقاً بصائم تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً!
فهكذا هو صومهم
كانت طيبة جداً، وكنا لها أهلاً، نُعاملها كأنها ابنتنا من لحمنا ودمنا
حتى أنها كانت تناديني: بابا
وتنادي زوجتي: ماما
وكان أولادي يُعاملونها كأنها أختهم
إذا ذهبنا إلى المطعم تجلس معنا على الطاولة كأنها ابنتي فعلاً
وإذا اشترينا ثياباً للأولاد اشترينا لها ثياباً بنفس السعر
حتى حين كنتُ أعطي أولادي مصروفهم كنتُ أعطيها مثلهم!
لم أحدثها أن دينها خطأ، ولم أدعها إلا الإسلام حتى!
وكنتُ كل يوم أعطي أولادي درساً في رياض الصالحين
ولم أطلب منها ولو مرةً واحدة أن تجلس معنا
ولكنها في الليل كانت تسأل ابنتي فاطمة عن ديننا فقد كانت تنام مع البنات في غرفتهم
ومضى عامان والأمر كذلك
وفي العام الثالث، وقبل رمضان بأسبوع، قالت لي : بابا، أريد أن أقول لك شيئاً
قلتُ لها: تفضلي
فقالت لي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله!
وصامت معنا رمضان كله، وكانت تصلي معنا التراويح في البيت بحكم أننا كنا في الحجر الصحي بسبب أزمة الكورونا والمساجد مغلقة
كانت تُحافظ على الصلاة بشكل عجيب، حتى أنها كانت تُذكر أولادي بها
ثم انتهى وقت عملها عندنا وأرادت أن تُغادر إلى بلدها إلى غير رجعة!
كنتُ أعرفُ أنها ستلقى هناك معارضةً شديدة
وما تفعلُ فتاةٌ في مواجهة عائلة كاملة والأمر يتعلقُ بالدين؟!
لهذا أعددتُها مسبقاً لهذه المواجهة!
أخبرتها أن بر الأبوين، وصلة الرحم، لا يعنيان أن يُملي أحدهم علينا دينه
وأن كل إنسان يموتُ وحده، ويُدفن وحده، ويُبعثُ وحده!
وحدثتها قصصاً كثيرة
عن مواجهة إبراهيم عليه السلام مع أبيه
وكيف أنه حافظ على البِّر ولم يتخلَّ عن دينه
وعن مواجهة سعد بن أبي وقاص مع أمه
التي أقسمت أن لا تأكل ولا تشرب حتى يرجع عن دينه
فقال لها: يا أماه لو أن لكِ مئة نفسٍ خرجتْ نفساً نفساً ما تركتُ ديني
عن بلال وندائه الخالد: أحد أحد
وعن الماشطة وجوابها الواثق: ربي وربك الله
وعن صهيب الرومي، وأنه ربح البيعُ أبا يحيى!
وحدث الذي توقعته
كانت ابنتي هناك وحيدة ولكنها لم تكن ضعيفة
شيء من عزم بلال، وثقة الماشطة، وقوة سعد، وزهد صُهيب
طلبوا منها أن تترك الإسلام فلم تقبل
حاولوا معها بكل الوسائل فثبتت
ولما فكروا أن يزوجوها علَّ هذا يكون حلاً لترجع عن دينها
قالت لهم : المسلمة لا تتزوج بغير المسلم!
كانت تُحدثني باستمرار، وكنتُ أثبتها
آمرها أن تبرَّ أهلها وتتمسك بدينها
فكانت عند حسن ظني بها
اليوم اتصلت بي، وقالت: بابا ، عندما يبدأ رمضان أخبرني كي أصوم!
جاءتنا نصرانية اسمها بورتيكان
فعادت مسلمة اسمها نور
علمتنا أكثر مما علمناها
علمتنا أن الإيمان يصنعُ المعجزات
وأن المرء بقلبه!
والسلام لقلبك ❤️