السَّلامُ عليكَ يا صاحبي 55

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،

تأوي الآن إلى نفسِكَ متعباً كجنديٍّ هو الناجي الوحيد من أفراد كتيبته
وإنكَ لا تدري الآن أتفرحُ لأنكَ بقيتَ حياً، أم تندبُ لأن خسارة المرءِ لأحبابه هو موتٌ آخر ؟!

يحدُثُ يا صاحبي أن تُغيِّرنا الدُّنيا، حتى أن المرءَ ليستغرب من نفسه قبل أن يستغربَ منه الآخرون!
فيسألُ نفسه في لحظة ذُهولٍ: من هذا الذي لا يُشبهني؟!

هذه الدُّنيا قاسية يا صاحبي،
تضيقُ على المرءِ حتى ليشعرَ أنه جالسٌ في خرم إبرة، ما يفيدُ اتساعُ الكون وقد ضاقتْ نفسُكَ عليكَ؟!
يهيمُ المرءُ على وجهه من فرطِ ما يجِدُ حتى أنه ليمشي ولا يعرفُ إلى أين يسير!

سألتْ عائشة النَّبيَّ ﷺ إن كان قد مرَّ عليه يومٌ أثقل من يوم أُحدٍ
فحدَّثها عن يوم رجموه في الطائف، وقال: انطلقتُ وأنا مهمومٌ على وجهي لا أدري إلى أين أمشي، ولم أستفِقْ إلا وأنا في قرن الثعالب!
هذا وهو نبيٌّ فكيف بالذين من دونه وكلنا دونه!

ثمة أشياء لا يبررها المنطق، ثمة حزن أكبر منا، ثمة مشاعر لا تحملها الجبال وهي من صخر فكيف نحملها ونحن الذين من لحم ودم؟!
وها أنتَ تهيمُ على وجهكَ، لا قرن ثعالب تستفيقُ عنده، ولا صديق يربتُ على كتفِكَ، وحيدٌ تماماً كآدم عليه السَّلامُ يوم أُهبطَ إلى الأرض وحواء بعيدة عنه، يا للوحشة ما يفعلُ امرؤٌ وحده في كوكب شاسع وقد فارقَ جنَّته، وفقدَ حبيبته؟!

تأوي إلى نفسِكَ، وتبكي بمرارةٍ كما لم تبكِ من قبل، وإنك لا تدري ممَ تبكي، خَجِلاً من نفسِكَ، أم موجوعاً من الحياة التي وضعتكَ في معركةٍ تطحنُ العظم، أم من كسر خاطرٍ كان كسرُ عظمكَ أهون عليكَ من أن تكسره؟!

ثم ها أنتَ وحدكَ، تُقررُ تأديبَ نفسِكَ، وإصلاحِ عطبٍ في قلبكَ، وتسألُ اللهَ جبراً للكسر، ومغفرةً للذَّنبِ، وصبراً، فاللهمَّ صبراً!

والسَّلام لقلبك❤️