على خُطى الرَّسول ﷺ ١٤
إنما بِعتُكَ الأرضَ وما فيها!
كان من عادة النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يقُصَّ على أصحابه من أخبار الأمم السابقة بهدف العِظة والاعتبار ممن سبقونا، فقال لهم يوماً: اشترى رجلٌ من رجلٍ عقاراً له، فوجدَ الرجلُ الذي اشترى العقار في عقاره جرَّةً فيها ذهب!
فقال للذي اشترى منه العقار: خُذْ ذهبكَ مني، إنما اشتريتُ منكَ الأرضَ، ولم اشترِ منكَ الذَّهب!
فقال له صاحب الأرض: إنما بعتكَ الأرضَ وما فيها!
فتحاكما إلى رجلٍ، فقال: ألكما ولد؟
فقال أحدهما: لي غلام
وقال الآخر: لي جارية
فقال لهما: أَنكِحوا الغُلامَ الجاريةَ، وأنفقوا عليهما منه، وتصدَّقا!
الورعُ في هذه القصة مذهل، والمرءُ لا يعرفُ ممن يعجبُ، من الرجل الذي اشترى الأرضَ وكان بإمكانه أن يأخذ الذهب دون أن يدري أحد، ثم هذا حقه وقد اشترى الأرض. أم من الرجل الذي باع الأرضَ فرفضَ أن يأخذ الذَّهب بعدما جاءه صاحبه به خالصة به نفسه، فاعتبرَ أنه لا حقَّ له فيه بعد أن باعَ الأرض بما فيها!
وعن الورع أحدثكم:
كان لأبي بكر الصديق غلام يخرج له الخَراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاءه يوماً بشيءٍ فأكل منه، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟
فقال: كنتُ قد تكهنتُ لإنسان في الجاهليه، وما أحسنُ الكهانة غير أني خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك هذا الذي أكلتَ منه!
فأدخلَ أبو بكر يده في فمه فقاءَ كل شيءٍ في بطنه كي لا يدخل جوفه حرام!
وكان عمر بن عبد العزيز يقسمُ تفاحاً بين الناس، فجاء ابن له وأخذ تفاحة، فوثبَ عليه عمر وأخذ التفاحة منه وأعادها إلى مكانها، فذهبَ الغلام إلى البيت حزيناً وحدَّث أمه، فأرسلت خادماً لها فأشترت تفاحاً، فأطعمت الصبي وأكلتْ، ولما جاء عمر بن عبد العزيز وضعتْ بين يديه تفاحاً، فقال لها: يرحمكِ الله، واللهِ لقد كنتُ اشتهيه اليوم!
خليفة المسلمين تورَّع عن تفاحة اشتهاها من مال الناس وهو واحد منهم!
وجاءتْ أختُ بِشر الحافي إلى الإمام أحمد فقالتْ: إنَّا نغزلُ على سطوحنا بشعلة الملك/ ضوء مصباحه فهل يجوز لنا ذلك؟
فقال لها: من أنتِ يرحمكِ الله
فقالتْ: أخت بشر الحافي
فبكى الإمام أحمد، وقال لها: من بيتكم يخرجُ الورع الصادق، لا تغزلي على شعاعها!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية