هذا الحبيب 82 – بيعة العقبة الثانية

هذا الحبيب 82  -  بيعة العقبة الثانية

هذا الحبيب 82 – بيعة العقبة الثانية

انتشر الإسلام في يثرب
ولكن ليس كل أهل يثرب دخلوا في الإسلام
إنما الذين دخلوا جميعهم قوم
{{ سعد بن معاذ من الأوس }}
أما الخزرج
فمنهم من أسلم ، ومنهم من لم يسلم
ولم ينتشر الإسلام في كل بيوت الأنصار ، ولكن عدد كبير من أهل يثرب انتشر فيهم الإسلام
[[ يثرب لم يكن اسمها المدينة المنورة ، وما سميت بالمدينة المنورة إلا بعد أن هاجر إليها النبي صلى الله عليه وسلم فسماها بالمدينة المنورة ، وسماها طيبة ، وسماها طابة .. ونهانا أن {{ نسميها يثرب }}
ولا نقول يثرب إلا في سرد السيرة ومقام التعريف فقط ]]

انتشر الإسلام بالمدينة المنورة
وأقام مصعب فيها سفيراً لرسول الله يعلم الناس القرآن وتعاليم الدين
حتى عُرف بالمدينة بالمقرئ
الناس الذين دخلوا الإسلام ولم يروا نبيهم ، ولم يسمعوا صوته صلى الله عليه وسلم
أصبحت قلوبهم تتشوق لرؤيته وانتشر بين المسلمين في المدينة
[[ إلى متى نحن آمنون مطمئنون ، ونترك رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة يتعرض للأذى ، من قريش ويعرض نفسه الكريمة على القبائل ، ألا فلنبايعه ونخرجه من مكة إلينا ]]

تماماً شعور أهل المدينة ، كان كشعورنا نحن الآن من يتابع السيرة ، لم نراه ولم نسمع صوته صلى الله عليه وسلم ، حتى أننا لم نرى من رآه
والله يارب أنت تعلم مافي قلوبنا من شوق لرسول الله صلى عليه وسلم ، فاجعله شفيعنا يوم القيامة واسقينا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا ، حُرمنا رؤيته في الدنيا فلا تحرمنا جواره في الجنة وجوار اصحابه
ولنا شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نعتز بها

عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
” كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( أَتَدْرُونَ أَيُّ أَهْلِ الْإِيمَانِ أَفْضَلُ إِيمَانًا ؟ )
، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمَلَائِكَةُ ؟ ،
قَالَ : (هُمْ كَذَلِكَ وَيَحِقُّ ذَلِكَ لَهُمْ وَمَا يَمْنَعُهُمْ وَقَدْ أَنْزَلَهُمُ اللَّهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي أَنْزَلَهُمْ بِهَا، بَلْ غَيْرُهُم ) ،
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ ؟ ، قَالَ : ( هُمْ كَذَلِكَ وَيَحِقُّ لَهُمْ ذَلِكَ وَمَا يَمْنَعُهُمْ وَقَدْ أَنْزَلَهُمُ اللَّهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي أَنْزَلَهُمْ بِهَا ، بَلْ غَيْرُهُمْ ) ، قَالَ: قُلْنَا: فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: ( أَقْوَامٌ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ فَيُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي وَيَجِدُونَ الْوَرَقَ الْمُعَلَّقَ فَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ فَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ أَهْلِ الْإِيمَانِ إِيمَانًا )

وقال الحاكم عقبه :
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ

________

فلما كان موعد الحج سبقهم مصعب قبل موسم الحج .. إلى مكة وأخذ ينسق بينهم وبين رسول الله
سبقهم مصعب بهذه الخطة إلى مكة ، حتى لا تشك قريش بهذا التنسيق فمصعب قرشي وهو من أهل مكة
وكان التنسيق أن موعدهم في الحج
وقال لهم مصعب : أن يختاروا بعض الرجال منهم ونصحهم أن لا يكون العدد كبير
فإن الذين أسلموا أعدادهم أصبحت كثيرة في المدينة المنورة .. فلو اجتمعوا بالنبي في مكة كلهم انفضح أمرهم فاتفقوا أن يكون عددهم
{{ ٧٠ رجل }}
فعدد ٧٠ رجل بين أعداد الحجيج ، الذين يأتون إلى الكعبة من جميع بقاع الأرض .. لا يستطيع أحد من كفار قريش أن ينتبه لهم

خرجوا سبعين رجل وامرأتان
وسبقهم مصعب
وكان مصعب ، هو همزة الوصل بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخبرهم صلى الله عليه وسلم ، على لسان مصعب أن موعدهم معه أواسط أيام التشريق

[[ يعني بمفهومنا هالأيام ثالث يوم العيد ]]
وكان موعدهم عند جمرة العقبة
ولنرى حكمة رسول الله بهذه المباحثات وأخذه بالأسباب

قال يا مصعب : قل لهم إذا مضى الثلث الأول من الليل ، والناس قد ناموا
فلا تننظروا غائب ولا توقظوا نائم
وليتسللوا إلى العقبة تسلل القطا
[[ لم يكن نبينا صلى الله عليه وسلم صياد ، وسبحان الذي علمه
القطا نوع من الطيور يعرفه الصيادون
من كثرة حذرها من الصيد ، لا تنام كما ينام الطير ،بل تقف على رجل واحدة ، وتأخذ بالرجل الثانية حصى ، حتى إذا غطت بالنوم ، ترتخي المفاصل فتسقط الحصى ، فتستيقظ من نومها فتطير وتغير موقعها ]]

وليتسللوا تسلل القطا فإن عليهم من قريش عين
[[ يعلم أن قريش تراقبهم ]]
فإنه إذا افتضح أمرهم ، لا تُحمد العاقبة
تم تحديد الموعد ، وكان موعد عجيب ، يثبت مدى دقة واحتياط رسول الله ، وأخذه بالأسباب
اختار رسول الله أن يكون اللقاء في الثلث الأوسط من الليل وهو وقت يكون فيه جميع الناس في مكة في نوم عميق
[[ لأنه قد يتأخر نوم بعضهم إلى الثلث الأول من الليل قبل الفجر أما الثلث الأوسط فغالب الظن أن أهل مكة والحجيج سيكونون في سبات عميق ]]
اختار رسول الله مكان بعيد ، وهو الشعب الأيمن عند العقبة حتى يكون بعيد عن عيون المراقبين إن كان هناك مستيقظ

وتكتم صلى الله عليه وسلم عن الموضوع ولم يخبر إلا ثلاثة
{{ أبو بكر الصديق ، وعلي ، وعمه العباس }}

ولم يخبر أحد من المسلمين
لأنه لا داعي ليعرفوا الموعد ووقته
[[ المهم النتيجة وليكون الموضع أمن أكبر درجة ]]
يقول كعب بن مالك : فما نمنا تلك الليلة ونحن نتشوق لرؤية رسول الله لأول مرة
حتى إذا مضى ثلث الليل ، خرجنا من رحالنا
لميعاد رسول الله نتسلل تسلل القطا
وكانوا يخرجون، رجل رجل ، أو رجلين رجلين ، حتى اكتمل من الأنصار سبعون رجل وامرأتان في موعدهم
وجاء أيضا رسول الله في موعده ، ومعه العباس بن عبد المطلب وأبو بكر وعلي

فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم
أبا بكر إلى فم الشعب من ناحية
وعلي إلى فم الشعب من الناحية الأخرى
ليعطيا إشارة إلى المسلمين ، إذا شاهدوا حركة مريبة أو مراقبة للمكان
{{ وهذا اللقاء كان أعظم لقاء على وجه الأرض منذ أن خلقها الله ، لقاء تغيرت فيه خريطة العالم كله ، وقامت دولة الإسلام عليه وسقطت عروش الجبابرة وانتشر الإسلام في كل بقاع الأرض }}

اجتمعوا القوم قالوا فلما مضى نصف الليل
{{ وإذا بطلعت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم تطل علينا }}

ومعه رجل بعضنا يعرفه ، وبعضنا لا يعرفه
وهو {{ العباس عم النبي وهو مازال على دين قريش لم يسلم ولم يعلن إسلامه }}

حضر مع النبي ليطمئن على ابن أخيه
قالوا : فلما أقبل علينا ورأينا النبي فقاموا لاستقباله وسلموا عليه

ثم قال : لهم اجلسوا ثم جلس صلى الله عليه وسلم

وبدأ الحديث العباس بن عبد المطلب عمه استأذن العباس من النبي
وقال : يا معشر الخزرج
[[ وكانت العرب تسمي يثرب أوسها وخزرجها بالخزرج وهي القبيلة الأكبر في يثرب ]]

إن محمداً منا حيث قد علمتم ، وقد منعناه من قومنا فهو في عز من قومه ، ومنعة في بلده
وإنه أبى إلا الإنحياز إليكم واللحوق بكم ، فإن كنتم ترون أنكم وافون بما دعوتموه إليه ، ومانعوه ممن خالفوه ، فأنتم وما تحملتم من ذلك
وإن كنتم ترون أنكم مسَلّموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم فمن الآن فدعوه ، فإنه في عزة ومنعة من قومه وبلده

وانتهى كلام العباس
[[ مختصره إذا كنتم تريدون رسول الله أن يهاجر إليكم وأنتم تستطيعون حمايته فهي مسؤوليتكم وإذا مش قد هالمهمة اتركوه في مكة فهو في حمايتنا ]]

فلما أراد القوم أن يتكلموا
قال لهم صلى الله عليه وسلم : ليتكلم متكلمكم وليوجز فإن عليكم من قريش عين
[[ صلى الله عليه وسلم خايف عليهم من أذى قريش ويعلم أن قريش تراقبهم وما بده إياهم يطولوا ]]

فقالوا : قد سمعنا كلام عمك
فتكلم يا رسول الله ، خذ لنفسك ولربك ما أحببت
فتلكم النبي صلى الله عليه وسلم وحمد الله
وقرأ شيء من القرآن

ثم قال : أبايعكم على أن تؤمنوا بالله ، ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تمنعوني مما تمنعون منه نسائكم وأبنائكم
[[ أي الرجل يموت ويستميت دفاع عن أهله وأولاده لا يتركهم ..]]

أربع جمل كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم

فقال واحد منهم :
أجل يا رسول الله بايعنا ، فنحن والله أبناء الحروب ، وأبناء الحلقة ورثناها كابراً عن كابر ، والذي بعثك بالحق لنمعنك مما نمنع منه أنفسنا
[[ انظروا لبلاغة العرب ممكن تغلب الإنسان الكثرة فلا يستطيع أن يحمي زوجته أو أولاده ولكن هل يجبن الإنسان في الدفاع عن نفسه ، ولو كان آخر أنفاسه بالحياة يبقى يدافع عن نفسه ]]

فمد يده أسعد بن زرارة
وقال : بايعنا يا رسول الله
فقام أحد رجالهم وأمسك ، يد أسعد وأبعدها
وقال : يا معشر الخزرج هل تدرون على ما تبايعون هذا الرجل ؟
قالوا : نعم
قال : إنكم تبايعونه على حرب الأحمر ، والأسود من الناس
[[ يعني كل أصناف البشر رح تحاربكم ]]

يا رسول الله إننا بيننا وبين الرجال حبالاً
[[ يعني بينا وبين اليهود بالمدينة حبال وصل ومعاملة ]]

فهل عفيت إن نحن فعلنا ذلك
[[ أي قطعنا علاقاتنا مع اليهود وانضممنا إليك ]]

فهل عفيت إن نحن فعلنا ذلك ، ثم أظهرك الله ، أن ترجع إلى قومك وتدعنا هل يمكن هذا ؟
[[ شايفين ما أجمل هذه الصراحة وهذه الجرأة وهذا الأدب وهذا الإستفهام والتوضيح ؟ ]]

فقال لهم صلى الله عليه وسلم
{{ بل الدم الدم ، والهدم الهدم أنتم مني ، وأنا منكم أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم }}
فقال : إن بايعناك على ما طلبت فماذا لنا ؟

قال لكم الجنة
[[ وكأنه يبشرهم جميعاً بالجنة ]]
فقالوا : لِما التردد يا قوم ؟
فقال الرجل :مهلاً تعلمون أنكم تبايعون على حرب العرب قاطبة ، فإن أنتم قوم تعلمون أنكم صابرون على هذا فبايعوه وإلا فمن الآن دعوه ، كما قال عمه فهو خير لكم في الدنيا والآخرة وأعز لرسول الله
فقالوا: والله ما جئنا إلا لنبايعه على ذلك
يارسول الله ابسط يدك نبايعك
فبسط يده وبايعهم ، رجل ، رجل ، حتى إذا جاء دور المرأتين سأل عنهما
قالوا : هذه أم عمارة ، وهذه أم منيع .. فبايعهم دون مصافحة .

صلى الله عليه وسلم
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد
يتبع الحلقة الثالثة والثمانين …