السلام عليك يا صاحبي

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي 31

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي كنتُ البارحة أقرأ في سير أعلام النُّبلاء، وما زالتْ كلماتُ عبد الله بن المبارك عن الإمام مالك ترِنُّ في أُذني حتى اليوم، قال: ما رأيتُ رجلاً ارتفعَ كمالك بن أنس، ليس له كثير صيامٍ ولا صلاة، وإنما كانتْ له سريرة! يا صاحبي عندما كتبَ مالكٌ الموطأ قالوا له: ما حاجة الناس إليه وكتب الحديث كثيرة؟ فقال: ما كان للهِ يبقى! وكان مالكٌ كله لله، وبقيَ الموطأ!

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي 30

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي أعرفُ أنَّ كل كلام المواساة ليس بإمكانه أن يسدَّ ثقباً واحداً في القلب، فكيفَ بقلبكَ المليء بالثقوب كأنه غربالٍ؟! من كلِّ ثقبٍ تسلل حبيب ومضى! أنتَ المحكوم بفقد أحبابك، جرِّبْ إذا أحببتَ أحداً في المرة القادمة أن لا تُحبَّه، لعلَّه يبقى! ثمة مواقف تُصبحُ فيها كل كلمات العزاء باردة، وكل كلمات المواساة جوفاء! عندما ماتتْ خديجة بنت خويلد ضاقتْ الدنيا بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولأنَّ

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي 29

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي تسألني: ما يفعلُ من زُفَّتْ حبيبته إلى غيره؟ فأقولُ لكَ: أولاً أسأل الله أن يربطَ على قلبكَ، فليس هناك عملية جراحية أكثر ألماً في الكون من أن يستأصلوا قطعةً من قلب رجلٍ وهو ينظرُ إليهم دون بنجٍ حتى! يا صاحبي: قال الإمام القشيري في تفسير قول ربنا على لسان سليمان عليه السلام: “لأعذِّبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه” العذاب الشديد هو أن يُفرِّق بينه وبين من يُحب،

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي 28

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي تسألني: لمن يهرعُ المرءُ أولاً؟! فأقولُ لكَ: لمن يُحِبُّ ألمْ ترَ كيفَ أنَّ النَّبيَّ ﷺ عندما نزلَ عليه الوحي، وأصابه البَردُ والخوف لم يذهب إلى صديقه الوفي أبي بكر، ولا إلى عمه الشجاع حمزه، ولا إلى عمه الحكيم أبي طالب وإنما هرعَ إلى خديجة! يا صاحبي، إنَّ الذي تُحبه أكثر، هو من تهرعُ إليه أولاً! الحُبُّ ملاذنا الآمن، وحضن الحبيب على ضيقه أكثر الأماكن اتساعاً على

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي 27

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي تسألني: لمن يهرعُ المرءُ أولاً؟! فأقولُ لكَ: لمن يُحِبُّ ألمْ ترَ كيفَ أنَّ النَّبيَّ ﷺ عندما نزلَ عليه الوحي، وأصابه البَردُ والخوف لم يذهب إلى صديقه الوفي أبي بكر، ولا إلى عمه الشجاع حمزه، ولا إلى عمه الحكيم أبي طالب وإنما هرعَ إلى خديجة! يا صاحبي، إنَّ الذي تُحبه أكثر، هو من تهرعُ إليه أولاً! الحُبُّ ملاذنا الآمن، وحضن الحبيب على ضيقه أكثر الأماكن اتساعاً على

السّلامُ عليكَ يا صاحبي 26

السّلامُ عليكَ يا صاحبي ينفطرُ قلبي حين أقرأ في كتبِ الحديث أنَّ صحابياً سأل آخر: من أين؟ فقال له: من عند النَّبيﷺ وصحابياً لقيَ صحابياً في الطريق فقال له : إلى أين؟ فقال له: إلى النَّبيﷺ هكذا بهذه البساطة، وبهذا الجمال، من عند النَّبيﷺ وإليه! وددتُ لو أني آتيه، فأقولُ له: يا رسول الله، قلبي يؤلمني! فيمسحُ على صدري، ويُصبرني، ولعله يقول لي:  لا تبتئسْ إنما هي أيام وتمضي! أو

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي 25

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي شيءٌ ما في جسدكَ يقولُ أنكَ لستَ بخيرٍ، وأنكَ تحتاجُ إلى دواءٍ، ولكنه لا يُشبه ذلكَ الذي يُباع في الصيدليات! تُعاني نقصاً في العِناق، ولم يُعبِّئوا الأحضان في قوارير بعد! تريدُ أن تشُمَّ رائحة حبيبك البعيد، تلك الرائحة الكفيلة بأن تجعلكَ تتماثل للشفاء، تخافُ أن تُخبر بها الصيادلة فيحسبونكَ مجنوناً، أو لعلكَ تخشى أن يقولوا لكَ: عندنا بديلٌ فتقولُ لهم : يا خسارة علمكم، صدقوني لا

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي 24

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي لا تبتئسْ لأنهم تركوكَ وأنتَ في أشدِّ لحظاتِكَ حاجةً إليهم صدِّقني كلما جاءت الخيباتُ باكراً كلما صار ترميمها أسهل! الطَّعنة في منتصف الطريق موجعة، ولكنها في آخره موت وإن بقيَ فيكَ رمقٌ! يا صاحبي لا تلُمْ نفسكَ، ولا تبحثْ فيكَ عن سببٍ، الغادرُ لا يحتاجُ سبباً، لقد كان غادراً منذ البداية، وكان يتحيّن الفرصة، وها قد أتتْ! وإياك أن تسأل: لِمَ تغيَّروا؟! كانوا هكذا منذ البداية،

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي 23

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي تسألني: ما أروعُ إحساسٍ في الحُبِّ؟ فأقولُ لكَ: الأمان! أن تشعرَ أن أحدهم ممسك بقلبكَ لا بيدكَ! الأمان هو أن تمنحَ أحدهم القدرة على تدميرك، وكلكَ يقين بأنه لن يرميكَ ولو بوردة! وأنه مهما حدث بينكما فسيبقى يخشى عليكَ من أن تجرحكَ نسمة! وأنه رغم كل المعارك الضارية التي قد تنشأ بينكما فإنكَ لن تهون عنده! الأمان هو أن تأخذ أحدهم إلى أعمق نقطةٍ فيك، فتصبحَ

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي 22

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي ألقوا الأمر على كاهلكَ مرَّةً أخرى، وقالوا : أنتَ لها! أنتَ الذي تعرفُ أنك بالكاد تصلحُ لقيادة نفسكَ، تسأل الآن: كيف أقودُ النَّاس! يشهدُ الله أنكَ ما سعيتَ، ولم تكُنْ راغباً، كنتَ دوماً ترى المسؤولية تكليفاً لا تشريفاً، وأن القائد خادمٌ لا سيِّد! ولكن على ما يبدو أن قدر الإنسان أن يُكبَّل بالأغلال التي يُحاول أن يفكَّ نفسه منها، يا صاحبي إنَّ ما تهربُ منه يتبعُكَ!