في قصصهم عِبرة – ٦ مصلحة!

في قصصهم عِبرة - ٦ مصلحة!

في قصصهم عِبرة ٦
مصلحة!

في “المهابهاراتا”، وهي ملحمة هندية كُتبتْ في القرن الثالث قبل الميلاد، أن أحد أتباعِ الديانةِ “البراهمية”، كان ضليعاً في “الفيدا”وهي الكتب الأربعة المقدسة عند الهندوس، وكان أيضاً مُحارِباً شرساً، فقدَّمَ خدماتٍ كثيرةٍ لصديقه الذي اعتمدَ على مكانته الدينية، وشجاعته ليصير ملكاً للبلاد!
وكان هذا البراهمي كلما رأى الملك، قالَ له: أهلاً بصديقي!
فكان الملكُ يقول له: كنا صديقين من قبل، ولكن صداقتنا كانتْ تقومُ على ما لدينا من سُلطة وإمكانات، لقد صادقتُكَ لأن هذا يخدم مصالحي!
أما الآن فلا غنيّ يُصادقُ الفُقراء، ولا قويّ يُصادقُ الضُعفاء، فمن يحتاجُ إلى صديقٍ قديم؟!
يا للعُقوقِ والنكرانِ ما أقبحهما!
أن يكسر الأعمى عكازه أول ما يُبصر، وأن يزدريَ الإنسانُ الأيدي التي ساعدته طويلاً على النهوض، لا شيء أكثر ألماً من أن يكسركَ الشخص الذي أمضيتَ عُمركَ محاولاً ترميمه!
ولا شيء أكثر وجعاً من أن يقتلعكَ الشخص الذي حاولتَ أن تزرعه، لا يؤلم الشجرة فأس الحطاب، الذي يُؤلمها أن يد الفأس كانتْ يوماً غصناً فيها!
يُعجبني قول أبي تمامٍ في هذا الباب:
وإنَّ أولى البرايا أن تواسيه
عند السرور لمن واساكَ في الحزنِ

إن الكرام إذا ما أيسروا ذَكروا
من كان يألفهم في المنزلِ الخشنِ
الإنسانُ النبيلُ لا يتنكر لأصله، ولا يقابل المعروف بالجحود!
بل إنه يبقى مُتحيِّناً الفرص لسدادِ معروفٍ أُسديَ إليه يوماً، ولا شيء أحبّ إلى الله سُبحانه وتعالى من الوفاء، لهذا قرنَ بِرَّ الوالدين بعبادته، وجعلَ عقوقهما من أقبحِ الآثامِ لأنَّ الوفي لا يُحب إلا الأفياء!

إنَّ الذي يتنكرُ لأصله بعد أن يصل لم يكُن ذا أصلٍ مُنذ البداية، وإن الذي تتغير أخلاقه بالمنصبِ والمالِ هذه هي أخلاقه مُنذ البداية! المناصبُ والأموالُ لا تُغيِّر الناس وإنما تُظهرهم على حقيقتهم!

أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية