في قصصهم عبرة ٢٠ – وما عاتبني قَط!

في قصصهم عبرة ٢٠ - وما عاتبني قَط!

في قصصهم عبرة ٢٠
وما عاتبني قَط!

روى “ابن كثير” في “البداية والنهاية”، أن جُعيف السمرقندي كانَ صاحباً للخليفةِ العباسي المُعتضد، وأنه خرجَ معه ذات يومٍ في رحلةِ صيد، فابتعدا عن العسكر، وكانا وحدهما، فخرجَ لهما أسد!
فقالَ المُعتضد: يا جُعيف أفيكَ خيرٌ اليوم؟
فقالَ له: لا واللهِ!
فقالَ له الخليفة: ولا أن تمسكَ فرسي لأنزل؟
فقالَ له: بلى.
فنزلَ المُعتضد، واستلَّ سيفه، فهجمَ الأسدُ عليه، فضربَهُ بالسيفِ ضربةً قطعَ له فيها يده، فانشغلَ الأسدُ بيده، فضربَهُ على رأسه بالسيفِ فقتله!
ويقولُ جُعيف: وصحبته إلى أن مات، فما سمعتُهُ ذكرَ ذلكَ لأحدٍ! وإني والله لا أدري من أيِّ شيءٍ أعجبُ؟ من شجاعته، أم مِن عدمِ احتفاله بذلكَ حيثُ لم يذكره لأحد؟ أم من عدمِ عتبه عليَّ حيثُ ضننتُ بنفسي عنه؟ واللهِ ما عاتبني قط!

يجب علينا أن نعلمَ أن الناس لا يستطيعون أن يخرجوا من قفصِ بشرِيتهم مهما آمنوا أو كفروا، ومهما اغتنوا أو افتقروا!
حتى الأنبياء الذين هُم صفوة البشر كانوا في حياتهم ومشاعرهم الإنسانيةِ كبقيةِ الناس!
فكليمُ الله موسى عليه السلام خافَ حين ألقى السحرةُ حبالهم وعصيهم لأنه قبل أن يكون نبياً هو إنسان، وأخذته سورة الغضبِ حين عادَ إلى قومه ووجدهم يعبدون العجل، وقد ألقى الألواحَ التي فيها التوراة، وأخذَ برأسِ أخيه ولِحيته! هذا لأنه إنسان من لحمٍ ودم!
وقد انفطرَ قلبُ نُوح عليه السلام حين غرقَ ابنه في الطوفان، هذا لأنه قبل أن يكونَ نبياً فهو أب!
وبكى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقدَ ابنه إبراهيم، وعمه حمزة، وزوجته خديجة ذلكَ أن الإنسان وإن كانَ نبياً يعزُّ عليه فقدَ أحبابه!
فتعاملوا مع الناسِ وفق هذه الحقيقة، أنهم ناس!
المرأةُ لو ملكتْ مال قارون ستفرحُ إن أهداها حبيبها وردة، لا لأنها لا تستطيع شراءها، بل لأنَّ امتلاك الأشياء لا يعني امتلاك بهجتها! وهي مهما بلغتْ من القوةِ والمنصبِ فلا تستغني عن كنفِ رجل، ولمسةٍ حانية، وكلمةٍ حلوة، لأننا قبل المناصب ناس!
أن يحكمَ المرءُ شعباً كاملاً لا يسد حاجته لأن يكونَ له ولد، لأن هذه فِطرة وحاجة إنسانية!
فلا تتوقعوا أن يكونَ الناس ملائكة، نحن نخاف، ونغضب، وننكسر، ونفقدُ الشغف، ونحزن، ونبكي، ونكره، تماماً كما نُحب، ونرضى، ونُسامح، ونضحك.
فعيشوا إنسانيتكم وتذكَّروا أن الناسَ الذين تتعاملون معهم هم أيضاً ناس!

أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية