في قصصهم عِبرة ٣٩
الحركةُ المتبقيةُ!
في كتابه “حِرفة السلاطين” يُحدثنا الكاتب الأمريكي “رالف سيو” عن أستاذِ مصارعةٍ كان يُتقنُ 360 خدعة للإمساكِ بالخصم، وقد أحبَّ هذا الأستاذ أحد تلاميذه، فعلَّمه 359 خدعة، وتركَ لنفسه واحدةً لم يعلِّمْهُ إياها أبداً.
مضتْ الأيام، وصارَ هذا التلميذ من أقوى المُصارعين، ولم يكُنْ أحد يجرؤُ على مُنازلته. فصارَ يتباهى بقوته، إلى درجةِ أنه أخبرَ السلطان أنه يستطيعُ أن يتغلبَ على أستاذه أيضاً!
فغضبَ السلطانُ من قلةِ أدبِ التلميذِ مع أُستاذه، وقرَّرَ على الفورِ أن يُجريَ نِزالاً بين التلميذِ وأستاذه. وفي اليومِ الموعود، وقفَ الخصمان في مُواجهةٍ ينتظرُها الجميع، وعندما قُرِعَ الجرسُ ببدءِ الجولةِ الأولى، اندفعَ التلميذُ نحو أُستاذه بسرعةٍ يملأه الحماس، والرغبة بنصرٍ سريع، ولكن الأستاذ أمسكه بطريقةٍ أدهشت الجميع وطرحه أرضاً.
وعندما سألَ السلطانُ الأستاذَ كيف استطاعَ أن يتغلبَ على تلميذه الشاب، قالَ له الأستاذ: لقد احتفظتُ بهذه الحركة لمثلِ هذه الظروف!
حتى وإن لم يكُن الذي علَّمكَ قد احتفظَ لنفسه بضربة، فليس من الأدبِ أن يتطاولَ المرءُ على من كانَ له فضلٌ عليه في يومٍ من الأيام وإن أصبحَ أفضل منه!
لا تهزأ برأي الرجل الذي علمكَ كيف تنطقُ كلمةَ بابا حتى ولو كنتَ تحملُ شهادةً عُليا وهو لا يعرف كيف يفكُّ الحرف، لأن هذا من قلةِ الأدب، فضلاً على أنه من العقوق، وهو مؤشر على قلةِ الفهم، والفهمُ شيءٌ والشهادةُ شيءٌ آخر!
ولا تخجل بالمرأة التي حملتكَ في بطنها وهناً على وهن، وأرضعتكَ صغيراً، وربَّتكَ صغيراً حتى اشتدَّ عودك، لا تخجل بها وإن كانتْ بسيطة وأنتَ لك مُلك سليمان ومال قارون!
فالذي يتنكَّرُ لأصله لا أصل له!
لا أحد أوفى من الله سبحانه، وهو يحبُّ الأوفياء، ومن الوفاء أن يتأدبَ المرءُ مع كلِّ من ساعده على أن يمشيَ في طريقِ نجاحه ولو خُطوة واحدة، هذا ناهيك أنه عليه أن يتأدبَ مع الناسِ أجمعين!
أدهم شرقاوي