هذا الحبيب 103  –  بناء المسجد النبوي

هذا الحبيب 103  -  بناء المسجد النبوي

هذا الحبيب 103  –  بناء المسجد النبوي

_ الجزء كامل _

بعد أن أعطينا صورة عن إقامة النبي صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب الأنصاري
ماذا كان عمله في اليوم الأول من وصوله إلى المدينة المنورة بعد أن استراح من عناء السفر ، فأصبح في اليوم الثاني
كل أهل المدينة من مؤمنين صادقين أو منافقين بالخفاء
أو يهود ثلاث قبائل من اليهود تسكن المدينة قينقاع وقريظة والنضير ، كلهم ينتظرون
ما هو برنامج عمل النبي وقد اختار المدينة وخلع أهل مكة؟؟
الكل ينتظر ما هو عمله صلى الله عليه وسلم وقد وصل المدينة فالبعض يتوقع أن يجهز جيش لغزو مكة ؟؟
والبعض يتوقع أن يخرج ويعلن خطاب العرش ويعلن سياسة الدولة ؟؟
والبعض يتوقع أن تصدر التعينات مين رئيس الوزراء مين نائبه إذا غاب ؟؟
الجميع يتساءل ما هو أول عمل سيقوم به رسول الله ؟؟

وقد خرج صلى الله عليه وسلم من مكة وقد ترك
زوجته سودة وعائشة
وترك بناته الأربعة زينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، وفاطمة
وأبو بكر ترك بناته وزوجته في مكة
ماذا فعل صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني ؟؟
أخبرتكم في جزء سابق عن مشاكل المدينة
فأول عمل قام به صلى الله عليه وسلم ، حل مشاكل المدينة
برغم كل هذه المشاكل المعقدة جدا
فإن الرسول صلى الله عليه وسلم
استطاع في فترة قياسية أن يجعل المجتمع الإسلامي مجتمع شديد التماسك
كيف استطاع صلى الله عليه وسلم تحقيق هذا،
وكيف تغلب على كل هذه المشاكل ؟

•• فقام بثلاثة أمور
١_ بناء المسجد
٢_ تشريع الأخوة بين المهاجرين والأنصار
٣_ وضع وثيقة المدينة
واليوم نتحدث كيف بني المسجد النبوي

خرج صلى الله عليه وسلم على الصحابة
وأخذ رمح من يد واحد منهم ، واقترب إلى موقع الناقة ، ثم غرس الرمح في المكان الذي بركت فيه الناقة

ثم قال {{ هنا نبني المسجد إن شاء الله }}
أول عمل كان هو بناء المسجد

ثم قال :
لمن هذا المكان ؟؟
قالوا : لغلامين يتيمين هم في كفالة فلان
فقال : أين الغلامين وأين الكفيل ؟
فلما حضروا وكان الغلامين واحد عمره ١٢ والثاني ١٣ عام ..
فتحدث النبي للغلامين وللوكيل عليهما
أننا نريد أن نبني مسجد في هذا المكان حيث بركت الناقة فكم تريدون ثمن هذه الأرض ؟؟
فقالوا : الله أكبر هي لك يا رسول الله من غير ثمن بيت لله ومنزل لك
قال : لا يكون إلا بالثمن
[[
ما في قرار استملاك روحوا دبروا حالكم ]]
لا يكون إلا بالثمن ، ولا يكون الثمن إلا ما تريدون وتطلبون ، فطلبوا الثمن فدفع النبي صلى الله عليه وسلم من مال أبي بكر ثمن تلك الأرض وأذن ببناء المسجد
كانت الخطوة الأولى هي بناء المسجد، وببناء المسجد استطاع تذويب الخلافات بين الأوس والخزرج، واستطاع تذويب الخلافات بين طبقات المجتمع

ولا تفكروا المسجد كان فقط للصلوات الخمسة
للمسجد دور أعمق من ذلك بكثير
المسجد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
كان مقر الحكم و الشورى
والمعاهدات و القضاء
استقبال الوفود و وإعلان الأفراح ، ومكان للترفيه ، ومكان لتربية الأطفال ، ومداواة المرضى ، ومأوى الفقراء وعابري السبيل

قال صلى الله عليه وسلم هنا المسجد إن شاء الله
إليّ يا معشر المهاجرين إليّ يا معشر الأنصار حتى اقتربوا كل الصحابة واجتمعوا إليه ،
فقال فلتتآخوا في دين الله أخوين أخوين
سنأجل الحديث عن المؤاخاة في الجزء القادم

كيف كان بناء المسجد النبوي ؟؟
المسجد النبوي قام صلى الله عليه وسلم ببنائه بنفسه
لم يأمر أصحابه بالبناء وجلس في بيته
[[
ولما انتهى البناء شرف الإفتتاح وأعطوه مقص وقص شريط الإفتتاح ]]

لا بل لما بدء بالبناء
خلع ردائه صلى الله عليه وسلم ، وأخذ المعول وشرع بالعمل وكان بداية العمل
نبش قبور قديمة وإخراج ما بها من عظام ودفنها في مكان آخر
وقطع أعجاز نخل كانت باقية في الأرض وتسوية الأرض ثم بدء بالبناء هو وصحابته
بالطوب الترابي المعروف بالبناء قديما
وكان بناء متواضع بسيط ارتفاع المسجد على طول الرجل أو يزيد عنه قليلا
أعمدته من جذوع النخل وسقفه من ورق النخيل
لكن هذا المسجد خرج منه رجال دوّخوا أعظم دولتين في زمانهم
{
{ كسرى وقيصر }}

لم يكن المسجد للصلاة فقط كما هي أيامنا اليوم ، في هذا المسجد تعلم الصحابة دينهم فكان أشرف وأرقى جامعة عرفها الإنسان على هذه الأرض
خرج منه رجال أميين ،
أصبحوا أساتذة تفوق العالم كله بالأخلاق والسلوك
من هذا المسجد تخرجت السرايا والكتائب وفيه تعلم الصحابة الجهاد
مسجد النبي صلى الله عليه وسلم تخرج منه خير فئة من أمم البشرية كلها وكانت شهادتهم عند التخرج
من الله عزوجل
وهذا نص الشهادة من القرآن
{
{ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }}

أريتم ما اجملها من شهادة من الله عزوجل

وعند بناء المسجد تتجلى النبوءات على نبينا صلى الله عليه وسلم ونأخذ منها مثال
{
{ على سبيل المثال لا الحصر }}

كان عمار بن ياسر الذي كان رقيق في مكة
[[
عمار ذكرنا قصته الذي قتل أبوه وأمه على يد أبي جهل تحت التعذيب وقد مر معنا قصتهم في السيرة أبوه ياسر وأمه سمية وكان عمار تحت التعذيب ]]

عمار الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم
{
{ مُلئَ عمار إيماناً إلى مشاشه }}
[[
إي امتلأ بالإيمان وفاض حتى وصل لمشاشه أي لرؤوس عظامه كل ذرة بجسده امتلأت إيمان ووصلت للذروة ]]

كان عمار رضي الله عنه يعمل مع الصحابة
وكان هناك موقف غضب فيه النبي صلى الله عليه وسلم لأجل عمار
[[
النبي لم يتعامل مع الناس على حسب أموالهم ولا على حسب نسبهم ]]

ولكن كان يعامل الصحابة على منهج الله عزوجل
{
{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير }}

خذ هذه الصورة وتمعن فيها
محمد رسول الله .. أصدق من نطق لا يعرف المجاملة محمد رسول الله إذا قال فهو صادق ويعني ما يقول ،ولا يخدع أمته

كان عمار يعمل معهم ببناء المسجد
يحفر ، يحمل الطوب ، يضرب الأرض بالمعول ،يعجن الطين وفي هذا العمل
وفي هذا العمل
كان أخو النبي صلى الله عليه ، من الرضاعة الصحابي الجليل
{{عثمان بن مظعون }} رضي الله عنه

من الأوائل الذي اسلموا وكان ترتيبه {{ ١٣ }} ممن أسلموا
وأول رجل مات في المدينة من المسلمين ، ودفن
وعندما مات دخل عليه النبي صلى الله عليه فقبَّله
وقال : رحمك الله يا عثمان ما أصبت من الدنيا ولا أصابت منك
كان رجل أنيق يحب الأناقة
ثوبه نظيف ، فكان إذا لمس ثوبه التراب أزاحه بيده
وكان إذا حمل شيء يبعده عن ثوبه كي لا يتسخ
علي بن أبي طالب رضي الله عنه
قال شعر
[[
معناه فيه تشبيه لهذه الصورة وكان علي لا يقصد عثمان بن مظعون رضي الله عنهما ]]
فقال في شعر
هلا يستوي من يعمر المساجدا
يدأب فيها قائما وقاعدا ..
ومن يرى عن التراب حائدا .
.
قالها علي رضي الله عنه .. ولم يكن قد لاحظ ما يفعله عثمان بن مظعون فسمع هذه الكلمات عمار بن ياسر
فأعجبته أبيات الشعر ، وأخذ يردد هذه الأبيات
وكانوا يرددوا الشعر وهم يعملون بالبناء
[[
يشجعوا بعض على العمل ]]
فلما قال هذه الأبيات عمار
سمعه عثمان بن مظعون ، وظن أن عمار يقصده
وكان بيده جريد من نخل
فقال لعمار : يا ابن سمية بمن تعرض ؟
[[
مين قصدك ، يا ابن سمية ، نسبه لأمه سمية وأمه لعمار أفضل نساء العالمين بعد مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد تكون الخامسة سمية أول شهيدة في الإسلام ]]

فنسبه إلى أمه احتقاراً لأنها كانت من الرقيق في مكة
والصحابة يقعون بالخطأ ، وسيمر معنا في السيرة مواقف كثيرة ، فقط النبي صلى الله عليه وسلم هو المعصوم

فقال: يا ابن سمية بمن تعرض ؟
والله إن كررتها لأضربن وجهك بهذا الجريد
وسمع كلام عثمان بن مظعون النبي صلى الله عليه وسلم .. يقول الصحابة :
فغضب النبي غضباً لم نراها غضبه من قبل قط ثم قال
[[
يوجه الكلام لأخيه في الرضاعة عثمان بن مظعون أقرب إلى النبي من عمار .. عثمان بن مظعون ابن السادة من قريش وعمار من الرقيق ]]

قال له الرسول وقد غضب غضباً شديداً
{
{ إن عمار جلدة ما بين عيني وأنفي وإذا بلغ الرجل منه هذا فقد أبلغ }}
يعني
[[
إذا ضربت وجهه يا عثمان كأنك تضرب ما بين عيني وأنفي ]]

ثم مضى صلى الله عليه وسلم يعمل وهو مغضب
فجاء عدد من الصحابة إلى عمار
وقالوا : يا عمار لقد غضب من أجلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونخشى أن ينزل فينا قرآن
فقال عمار :
أنا أسترضيه لكم
فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم

وقال: يا رسول الله مالي ولأصحابك
[[
يمازح النبي ]]
مالي ولأصحابك ؟؟
فقال له : مالك ولهم ؟
قال : يريدون قتلي
قال : كيف ؟
فقال عمار : يحمل كل رجل منهم لبنة لبنة [[ أي طوبة ]]

وإذا جئت حملوا علي لبنتين
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم لأنه علم أن هذا أسلوب ترضية
[[
لأن عمار رضي الله عنه هو الذي كان يحمل لبنتين لا أحد يجبره ]]

فضحك صلى الله عليه وسلم وأخذ ينفض التراب من على شعر عمار وهو يضحك ، ثم أخذ بيده وطاف به بين الذين يعملون في صحن المسجد
ويقول : إن أصحابي لا يقتلونك يا عمار إنما تقتلك الفئة الباغية
تدعوهم إلى الحق ويدعونك إلى النار

ويسمع الصحابة هذا الكلام من المهاجرين والأنصار الذين يعملون في بناء المسجد
ويترقبوا يا ترى من الذي سيبتليه الله في قتل عمار؟؟
وأخذوا يترقبوا نبوءة النبي بشهادة النبي أنه باغي
عمار يدعوه إلى الحق
وهو يدعوه إلى النار ، من هو ؟؟

وتمضي الغزوات والسرايا كلها وعمار لم يقتل
ويرحل النبي عن هذه الدار وعمار لم يقتل
ويليه أبو بكر ثم عمر ثم عثمان وعمار لم يقتل
حتى جاءت خلافة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ووقعت فتنة معاوية والتقى الجيشان في معركة {{ صفين }}
ونظر الناس وإذا عمار في جيش علي بن أبي طالب

وأخذ عمار يناديهم
يا أصحاب معاوية نحن أصحاب محمد رسول الله قاتلناكم من قبل على تنزيله
[[
أي على القرآن ]]

واليوم نقاتلكم على تأويله ، لقد تأولتم القرآن في غير محله .. أنا عمار بن ياسر [[ وكان عمره 80 عام ]]
يقول أصحابه كان يقفز من تل إلى تل ، ويقفذ من جواد إلى جواد ويضرب بالسيف ويرمي بالنبال ويرمي بالرمح
وهو ينادي بهذا النداء
فقال معاوية لعمرو بن العاص قائد جيشه ومستشاره
هل عندك دواء لهذه المصيبة ؟؟

عمار يلهب الجيش كلما بردت المعركة ألهبها ولكلماته تأثير على نفوس جندنا
قال عمرو بن العاص :
لا عليك فأرسل عمرو رجلين يتسللوا خلال الجند حتى إذا وصلوا إلى عند عمار قتلوه غدراً
فسقط عمار فلما سقط عمار شهيداً
التفت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان عدد كبير منهم في جيش علي
قالوا : هذا عمار قد قتل ، وكان فيهم من شهد بناء المسجد وسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم
{
{ إن أصحابي لا يقتلونك يا عمار إنما تقتلك الفئة الباغية .. تدعوهم إلى الحق ويدعونك إلى النار }}

فقال الصحابة:
الله أكبر ، الله اكبر ، الله اكبر
هذه نبوءة رسول الله
تبين لنا اليوم إننا على الحق ، وإنهم على الباطل فصاح الناس كلهم
[[
علي هو على الحق ومعاوية هو الباغي ]]

فانسحب ثلث جيش معاوية رضي الله عنه
وانضم إلى جيش علي رضي الله عنه
فقال معاوية ويحك يا عمرو كنا بمصيبة وأصبحنا بمصيبتين
رضي الله عن صحابة رسول الله أجمعين
إنها نبوءة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم
ألم يخبرنا وهو الصادق الامين

أن الدجال سيصل إلى أطراف المدينة المنورة
ويقف على جبل سلع ، فينظر الى المدينة فيقول :
{
{ أَتَرَوْنَ هَذَا الْقَصْرَ الأَبْيَضَ، هَذَا مَسْجِدُ أَحْمَدَ }}
وقد منعت أن أدخلها كيف كان المسجد النبوي في عهده صلى الله عليه وسلم ، وكيف أصبح كالقصر الأبيض من الذي أخبره
إنها النبوءة يا خير أمة

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

 

اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد

يتبع الحلقة 104