على خُطى الرَّسول ﷺ ٤ – نبني لكَ عريشاً!

على خُطى الرَّسول ﷺ ٤ - نبني لكَ عريشاً!

على خُطى الرَّسول ﷺ ٤
نبني لكَ عريشاً!

خرجَ المسلمون من المدينة يريدون قافلة قريش علَّهم يعوضون شيئاً مما سلبتهم إياه في مكة، فقد صادر صناديد قريش أموالهم، ولكنَّ أبا سفيان فرَّ بالقافلة بعيداً عن مرمى المسلمين وأرسل يطلب المدد من قريش، فجاءت بجيشها.
وها هم المسلمون قاب قوسين أو أدنى من معركةٍ لم تكن بالحسبان!

وقبل أن يبدأ القتال، نظرَ سعد بن معاذ في موازين القوى، فرأى قريشاً أكثر عدداً وتجهيزاً فقد جاءت للحرب، ورأى المسلمين قلة فما خرجوا إلا لأجل القافلة، فخشيَ على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا نبيَّ الله، ألا نبني لكَ عريشاً تكون فيه، ونعدُّ عندكَ ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزَّنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى، جلستَ على ركائبك، فلحقتَ بمن وراءنا، فقد تخلَّفَ عنكَ أقوام ما نحن بأشد لكَ حباً منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك، يمنعكَ الله بهم، يناصحونك ويجاهدون معك!
فأثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم خيراً، ودعا له بخير، ثم بُني للنبي صلى الله عليه وسلم عريشٌ فكان فيه أول المعركة، ثم نزل فقاتلَ مع المسلمين حتى منَّ الله عليهم بالنصر.

خطة سعد بن معاذ باختصار أن لا يشترك النبي صلى الله عليه وسلم في القتال وإنما يكون في عريش خلف الجيش، وعنده فرس سريعة، فإذا انهزم المسلمون عاد إلى المدينة، لأن أمر الإسلام معقود به بأبي هو وأمي.

ولكن ليس هنا مربط الفرس، وإنما حديث سعد بن معاذ عن الذين تخلفوا عن غزوة بدر، فلم يقل للنبي صلى الله عليه وسلم أرأيت كيف أنهم لم يخرجوا معك، نحن الذين خرجنا فقط!
وإنما قال بقلب أبيض يحسن الظن بإخوانه أن في المدينة رجالاً يحبونه أكثر من الذين خرجوا معه، وأنهم لم يخرجوا لأنهم ظنوا الأمر مهاجمة قافلة لا حرباً مع جيش قريش!

فهل حفظنا غيبة بعضنا وذكرنا محاسن الغائبين، ولم نستغل الفرصة لننال منهم، ونرفع من شأن أنفسنا؟!
عندما تصطحب أحد أبويك إلى الطبيب لا تنل من إخوتك، فتضيع أجرك بالنميمة، ولا تقل ليس لك إلا أنا وإخوتي تركوك، قل إن إخوتي لديهم مشاغل وظروف ولو سمحت ظروفهم ما قصروا معك، وما أنا أكثر حُباً وبراً منهم!
إذا جُمع مال لفقير فلا تقل نحن فقط الذين تصدقنا، وإنما قل إن فلاناً وفلاناً لهم ظروف يعلم الله بها وإلا فلسنا أكثر كرماً منهم!
إن الذي ينال من الآخرين بعد معروف فعله، فليته لم يفعل وسَلِم منه الناس!
يقول الشيرازي: سهرتُ مع أبي ذات ليلة وحولنا نيام، فصلى أبي، وصليتُ أنا ما أراد الله لنا أن نصلي، فقلتُ لأبي: لم يقمْ من هؤلاء من يصلي ركعتين!
فقال لي: يا بُني لو نمتَ لكان خيراً لكَ من وقوعكَ في الخلق!

أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية