على خُطى الرَّسول ﷺ ٥
فعبقَ بي هذا الطِّيب!
روى ابن حجرٍ في فتح الباري عن أم عاصمٍ زوجة الصحابي الجليل عُتبة بن فرقد السُّلمي أنها قالتْ:
كُنَّا عند عتبة بن فرقد أربعُ نسوةٍ، فكانتْ كل واحدةٍ منا تجتهدُ في الطِّيبِ/ العِطر لتكون أطيب ريحاً من ضرائرها! وكان عُتبة لا يمسُّ طيباً ومع ذلك كان أطيب رائحةً منا! وكان إذا خرجَ إلى الناس قالوا: ما شممنا ريحاً أطيب من ريح عتبة بن فرقد!
فسألته عن ذلك وقلتُ: إننا نجتهد في الطِّيب ولأنتَ أطيبُ منا ريحاً فممَّ ذلكَ؟
فقال: أصابني الشَّرى/ مرض جلدي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته فشكوتُ إليه ذلك، فأمرني أن أتجرَّدَ من ثيابي إلا ما يسترُ عورتي، فتجردتُ وقعدتُ بين يديه، فنفثَ في يده، ومسح ظهري وبطني بيده، فعبقَ بي الطِّيبُ هذا من يومئذٍ!
نبيُّ مباركٌ حتى من قبل أن يصيرَ نبياً!
ترى أمه في المنام حين حملتْ به أنَّ نوراً خرجَ منها أضاءتْ له قصور بصرى من أرض الشّام!
وأصابَ الجدبُ والقحط ديار بني سعدٍ فلما جاءت به لترضعه حلَّتْ البركة هناك يوم حلَّ، حتى كان الناس في بني سعدٍ يقولون انظروا حيث ترعى غنم حليمة وارعوا، حسبوا أن البركة في العُشب، وما دروا أن البركة في طفلٍ رضيع سيصبحُ فيما بعد بعد سيد الانبياء والمرسلين!
يشتاقُ إليه كل شيءٍ، أُحدٌ جبلٌ يُحبه هذا وهو صخر فسبحان من جعلَ له في قلب الصخر
محبةً!
ويحنُّ الجذعُ إليه، فيصدر أنيناً فلا يسكت حتى ينزل عن منبره ويضمه، هذا وهو خشب، فسبحان من جعل كل شيءٍ يُحبُّه!
تأتيه امرأة بغلام صغير فتقول: يا رسول الله ابني بلغ الخامسة ولم يتكلم بعد، فيضع يده الشريفة عليه ويقول له: من أنا؟
فيقول الصبيُّ: أنتَ رسول الله!
وليصبح بعد ذلك من خطباء العرب!
ويدخل خيمةً فإذا غُلام يصطدم بوتدها من عمشٍ في عينيه فلا يكاد يرى، فيأخذه ويمسح على عينيه ليبصر، وليبلغ الثمانين من العمر ويضع من قوة بصره الخيط في الإبرة من أول مرةٍ!
نبيُّ عظيم مبارك، لأمةٍ عظيمة مباركة، فارفعوا رؤوسكم عالياً!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية