على خُطى الرَّسول ﷺ ١٩ – فأقام على التماسه!

على خُطى الرَّسول ﷺ ١٩ - فأقام على التماسه!

على خُطى الرَّسول ﷺ ١٩
فأقام على التماسه!

كان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أراد السفر أقرعَ بين نسائه، فأيما وقعت عليها القرعة أخذها معه، فوقعت القرعة مرةً على عائشة، فلما كانوا في الصحراء انقطع عقدٌ لها، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم على التماسة/ البحث عنه، وأقام الناس يبحثون معه، ولم ينزلوا يومها عند عين ماء، ولم يكن معهم منه إلا ما يكفي الشرب فقط.
فأتى الناسُ أباها فقالوا: يا أبا بكرٍ ألا ترى ما صنعتْ عائشة؟ أقامت بالنبي صلى الله عليه وسلم والناس، وليسوا على ماءً إذا حضرتْ الصلاة!
فدخل أبو بكر على عائشة، فإذا النبيُّ صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذها قد نام لقيلولته.
فقال لها أبو بكر: حبستِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس، وليسوا على ماء.
وجعلَ يطعنها باصبعه في خاصرتها مما سمعَ من الناس، وهي تصبر ولا تتحرك حتى لا توقظ النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قام النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وحضرتِ الصلاة، وأنزل الله تعالى آية التيمم فقال أُسيد بن حُضير لأبي بكر: ما هي بأول بركتكم يا أل أبي بكر!
فتيمم الناسُ، وصلوا، ولما يئسوا من إيجاد عقد عائشة، أرادوا الارتحال، فحركوا الناقة التي كانت تركبُ عليها، فإذا العقد تحتها، فأخذته ومضت.

أوقفَ الجيش كله، وعسكرَ بالناسِ ليبحث لها عن عقدها الذي فقدته عندما علم أنه أثير على قلبها، لم يمنعه الموقف كله أن يُراعي خاطرها، ويمشي في حاجة تسعدها، ولم يخشَ أن يقول أحدٌ أنه عطَّلَ مسير الجيش لخاطر زوجته!
أراد أن يعلمنا أن الحنون يبقى حنوناً حتى في أصعب المواقف، وأن جبران الخواطر له متسع مهما كانت الظروف، وأن الإحسان إلى الزوجة ليس ضعفاً في الشخصية، وأن مراعاة مشاعرها ليس تبعية لها، وأن فعل ما يسعدها لا يعني أنها تحكمه، وأن السَّعي لإسعادها ليس نقصاً في الرجولة، فهو سيد الرجال، ولا يفعل إلا مكارم الأخلاق، وتمام الرجولة!

أما أنتَ فلا توقف لها الجيش، ولا تحبس لأجلها الناس عن المسير، ولكن أرِها كل يوم أنكَ تهتم لمشاعرها، وافعَلْ ما يسعدها، أزلِ الحزن عنها، إذا استطعتَ، استغِلَّ أصغر الفرص لتظهر عاطفتكَ نحوها، أشياء صغيرة جداً يقوم بها الرجل تجعله يأسر قلبَ زوجته، فإنَّ إظهار الاهتمام هو إظهار للحب، فعيشوا مشاعركم، ولا تخجلوا بها، وقد كان لنا في النبي صلى الله عليه وسلم أُسوة حسنة.

أدهم شرقاوي