هذا الحبيب 239  – السيرة النبوية العطرة (( حجة الوداع )) الجزء الأول
__________
__________
أقبل رمضان من السنة العاشرة من الهجرة فصام صلى الله عليه وسلم رمضان للمرة العشرة في دار الهجرة
واعتكف النبي صلى الله عليه وسلم {{ ٢٠ }} يوماً
وقد كان يعتكف في كل عام عشرة أيام، وهي العشر الأواخر من رمضان
وقرأ له جبريل ما نزل من القرآن مرتين، وقد كان جبريل يقرأ عليه ما نزل من القرآن في رمضان كل عام مرة واحدة
وقد لاحظ اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يشهدوه من قبل
وهو تواجد النبي صلى الله عليه وسلم بينهم في اغلب الساعات وتكثيفه وعظه وأرشاده
فأستشعروا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يودعهم
وكأنها اخر سنة من سنين عمره صلى الله عليه وسلم
وكان قد استشعر هذا هو قبلهم
فقال لأصحابه :_ كان اخي جبريل يراجعني القرآن في كل عام مرة [[ اي في رمضان ]] أما هذه السنة فقد راجعنيه مرتين [[ أي من باب التأكيد ]]
فعلم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه في عد تنازلي من أيام بقاءه في الدنيا [[ ولكنه في عد تزايدي وجليل عند الله عزوجل صلى الله عليه وسلم ]]
________
فلما انصرم رمضان
[[ وسبحان من قدر أن يأتي حديثنا عن هذه الأحداث التي بعد رمضان ونحن الآن بعد رمضان ]]
فلما انصرم رمضان ومضت أيام عيد الفطر
أعلن صلى الله عليه وسلم لأصحابه وارسل الى جميع المسلمين في كافة البلاد أنه خارجاً للحج في هذا العام فمن أراد أن يشهد الحج مع الرسول صلى الله عليه وسلم فليأتي الى المدينة المنورة [[ كي يأخذوا عنه مناسكهم ]]
______
وكما سبق وقلنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حج البيت بعد أن فرض الحج إلا مرة واحدة في السنة العاشرة للهجرة
وذلك أن الحج فُرض بعد {{ فتح مكة }}في السنة الثامنة
ولما حج المسلمون في السنة التاسعة للهجرة كان على رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه [[ وقد ذكرناها ]]
ولم يحج معهم في تلك السنة صلى الله عليه وسلم
لأن المشركين كانوا لا يزالون مستندين إلى صلح الحديبية، وكانوا يدخلون المسجد الحرام، ويطوفون بالبيت عُراة على عادتهم في الجاهلية، ويباشرون حول الكعبة ، طقوسهم الوثنية
فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤجل حجه عاماً حتى يتمَّ تطهير البيت الحرام من شعائر الوثنية
وارسل علي بن أبي طالب مع أبي بكر رضي الله عنهما وأمره إذا اجتمع الناس بمنى يوم النحر أن يقرأ عليهم رسالته التي تضمنت
أن لا يحج بعد العام مشرك، وأن لا يطوف بالبيت عريان، وبتطهير الكعبة من الوثنيين ووثنياتهم
و بعد أن طهرها صلى الله عليه وسلم عام الفتح من أصنامهم وأوثانهم
أصبحت الكعبة رمزاً لعبادة الله تعالى وحده، وعادت كما طهّرها إبراهيم عليه السلام للطائفين والعاكفين والركع السجود
________
كم حجة للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته؟؟
ورد انه حج اكثر من مرة مع قومه على تعاليم ابراهيم عليه السلام {{ قبل نزول الوحي عليه }}
وبعد {{ نزول الوحي وفرض الحج }} حج حجة واحدة فقط هي حجة الوداع
وللتنبيه وارجو أن تنتبهوا لهذا اللفظ
{{ قبل نزول الوحي }} و {{ بعد نزول الوحي }}
لا نقول ابداً
{{ قبل النبوة وبعد النبوة }} قال صلى الله عليه وسلم :_ كنت نبياً وآدم منجدل في طينته بين الروح والجسد .
فخطأ شنيع وكبير لدى الكثير من الدعاة وطلاب الشريعة أن يقولوا :_ قبل النبوة ، وبعد النبوة
أي زمن وأي يوم لم يكن محمد نبي ؟؟؟
لقد كان نبياً وآدم منجدل في طينته ، كان نبياً في أصلاب الرجال وأرحام الأمهات يتنقل نوره من الأصلاب الطيبة الى الأرحام الطاهرة حتى أستقر في صدفة آمنة
ولد نبي ونشأ صبياً يتيماً نبي و بلغ الحلم نبي وكان نبياً ولكن لم يوحى إليه ، صلوا عليه وسلموا تسليما
فنقول :_ قبل الوحي ، وبعد الوحي
________
كم مرة أعتمر صلى الله عليه وسلم في حياته؟؟ أعتمر {{ ٤ }} مرات وقد ذكرناها من قبل
١_ عمرة الحديبية وكانت في ذي القعدة
٢_وعمرة القضاء وكانت في ذي القعدة
٣_وعمرة بعد رجوعه من حنين ايضا كانت في ذي القعدة
٤_ وعمرة مقرونة مع الحج التي هي موضوع حديثنا
وكانت عمراته في{{ ذي القعدة }} ليعلن خلاف عقيدته مع قريش
لأن قريش كانت تقول للعرب :_ عمرة في الأشهر الحرم فسوق [[ وذي القعدة من الاشهر الحرم ]]
فكانوا يقولون :_ العمرة في سائر السنة إلا اشهر الحج [[ يقولون هذا ليجبروا العرب ان تأتي في موسم الحج وفي غير أشهر الحج ، طبعاً من أجل مكاسبهم المادية ]]
__________
فلما اعلن النبي صلى الله عليه وسلم انه خارجاً للحج في هذا العام
بدأت الوفود تصل الى {{ المدينة المنورة }}
فقدم المدينة بشر كثير من كل أنحاء الجزيرة يريد أن يحج مع النبي صلى الله عليه وسلم
وضربت لهم الخيام في أرضها وبساتينها حتى بلغ عدد من وصلوا الى المدينة اكثر من {{ ١٢٠ ألف }}
ولحق به في الطريق خلق كثير فوصل عددهم {{ ١٤٠ }} ألف
من اصحابه صلى الله عليه وسلم
فالرجل يقال له {صحابي}
والمراة يقال لها { صحابية }
ومن شهد النبي صلى الله عليه وسلم مرة في حياته
[[ أي رأه مرة وهو مسلم ومات على ذلك ولم تقع له ردة ]] يعد في الصحابة وتعد في الصحابيات
يقول اصحابه رضي الله عنهم والحديث في الصحاح
قالوا :_ لقد امتلأت المدينة بوفود الحجيج وكلهم يريد أن يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم لينال شرف الصحابة
[[ ولنا أن نتخيل هذا المشهد ، كثير ممن اسلموا من القبائل العربية خارج المدينة لم يشاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم بعد ، واعداد هائلة ١٢٠ ألف وكان شوقهم له كشوقنا نحن له ]]
_________
فلما كان {{ ٢٥ من ذي القعدة }} وكان يوم جمعة ، رقى صلى الله عليه وسلم منبره وخطب بأصحابه الجمعة
ولم يتسع المسجد لهذه الأعداد الهائلة فأي مسجد يسعهم
ولكن أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجال خارج المسجد أن يبلغوا الناس عنه [[ أي يرددوا كلمات النبي في الخطبة كلمة كلمة حتى يُسمعوا خطابه للناس ]]
فحثهم على تقوى الله ، و أن يعقدوا النية للحج
فقال لهم :_ من حج فلم يرفث ، ولم يسخط ، رجع من حجه كيوم ولدته أمه
_________
وأستعد الناس للحج ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم ازواجه ان يعدنَّ أنفسهنَّ للحج جميعاً
فلما كان يوم السبت صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم الظهر في مسجده {{ ٤ }} ركعات لا قصر فيها ولا جمع
لأنه لم يغادر مسجده بعد
ثم دخل الى حجرة السيدة {{ عائشة رضي الله عنها وارضاها }}
فأغتسل واسقط ما يجب أسقاطه من شعور
[[ اي حلق شعر الابط وشعر الوسط وقص الاظافر استعداداً للإحرام ]]
ولبس احرامه صلى الله عليه وسلم في حجرة السيدة عائشة
[[ وللتنبيه لمن أراد الحج والعمرة ، الأغتسال ولبس الإحرام لا يعد أنه أحرم ، الإحرام يعرف بصلاة ركعتين في الميقات وأعلان التلبية فمن اغتسل ولبس الإحرام لا يُعد محرماً نقول استعد للإحرام ]]
وتطيب صلى الله عليه وسلم ، ولبَّد شعره [[ وتلبيد الشعر أي دهنه بالزيت او اي دهن حسب وجوده في كل زمان ]]
تقول السيدة عائشة :_ فأتيته بالغالية [[ وليست الغالية سعرها غالي لا هو اسم لنوع من العطر يكون مزيج بين المسك والعنبر ]] فأتيته بالغالية فتطيب ،وأكثر من الطيب حتى وكأني أنظر الى وبيص المسك في مفرقه
[[ الوبيص هو بريق المسك ولمعانه في مفرقه اي في شعره ]]
ويجوز للمحرم الحاج او المعتمر قبل {{ عقد نية الأحرام }} أن يتطيب في بدنه ولكن لا يطيب ثياب الاحرام
فإن قال قائل
قال الشيخ فلان ، او الدكتور فلان ، او فضيلته ، أو سماحته ، أن الطيب ينتقل للثياب لا يجوز
نقول له {{ هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا هدي مقدم على هديه على الاطلاق }}
ثم فرق شعره نصفين وألقى نصفه على يمينه ونصفه على شماله صلى الله عليه وسلم وكان شعره يضرب منكبيه
[[ أي كتفيه ]]
اغتسل صلى الله عليه وسلم ولبس ثياب الإحرام ثوبين ابيضين ولبد شعره وتطيب
ثم خرج وقد جُهزت له ناقته على باب حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها
وخرج من حجرة عائشة ، وأطل على اصحابه
[[ ولم تكن المدينة فنادق وعمارات واسواق كم ترون اليوم ، كانت سهلاً ممتداً ]]
أطل عليهم صلى الله عليه وسلم
{{ بطلعته النورانية أجل وأكمل وأجمل من البدر ليلة الكمال}}

واكثر الوفود التي أتت للمدينة لم تكن رأته من قبل وكثير من اصحابه لم يراه قبل اليوم محرماً
فلما أطل عليهم
{{ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم }}
ضجت المدينة كلها بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
فحياهم وسلم عليهم ثم ركب ناقته
يقول الصحابة :_ كان الناس حول النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وبين يديه مد البصر
صلوا عليه وسلموا تسليما
يتبع إن شاء الله …..