هذا الحبيب 255 – السيرة النبوية العطرة ((مرض النبي صلى الله عليه وسلم))
___________
___________
في صفر من السنة الحادية عشر من الهجرة، وقبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر يوماً
أَمر النبي صلى الله عليه وسلم {{ أسامة بن زيد }} على سرية لغزو الشام
وأمره أن يسير حتى يصل الى {{ مؤتة}} وهو المكان الذي مات فيه أبوه في غزوة {{ مؤتة }}
وقال له النبي صلى الله عليه وسلم :_ سر إلى موضع مقتل أبيك [[ أبوه زيد بن حارثة رضي الله عنه وذكرنا استشاهده في مؤتة ]]
وكان عمر {{ أسامة بن زيد}}
[[ قيل ١٧ وقيل ٢٠ عاما يعني بعمر شباب التوجيهي اليوم ]] وكان الجيش به عددا كبيرا من شيوخ المهاجرين والأنصار
فكان فيهم
{{أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد}}
على ماذا يدل هذا ؟؟
تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، أن للشباب أمكانيات هائلة
[[ أهم من كرة القدم ، أهم من التسكع في المولات والاسواق ، وأهم من الأغاني الساقطة ]]
ولكن تكلم الناس في هذا
قالوا :_ يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين ، مثل ابو بكر وعمر وغيرهم ، الى محاربة الروم ؟؟
وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بما يتكلم به الناس،
فقام بعد صلاة من الصلوات
وكان إذا صلى بأصحابه وانتهى وسلم ، أستدار دورة كاملة فجعل ظهره الى المحراب ، ووجهه الى اصحابه ثم استغفر وختم صلاته
ولكن هذا اليوم استدار واستقبلهم على الفور قائلاً :_
لقد بلغني ما تقولون في اسامة ، ولئن طعنتم في إمارتي أسامة، فلقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وأيم الله إنه كان للإمارة لخليقاً ، وإن كان لأحب الناس إلي وإن ولده هذا من أحب الناس إلي بعده
فلقبه الصحابة {{ الحب بن الحب }} اسامة بن زيد
ثم قال :_ فاستوصوا به خيراً ، فإنه من خياركم
_________
وبدأ المسلمون يستعدون للخروج، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم {{ اسامة بن زيد }} أن يعسكر على باب المدينة حتى يتجمع الجيش
وقبل أن ينطلق شاع الخبر بالمدينة أن النبي صلى الله عليه وسلم وجعٌ [[ اي اصابه المرض ]] لا يفك العصابة عن رأسه فتوقف الجيش
ولم يتحرك الجيش بحياته صلى الله عليه وسلم ، ولن نذكر ما حدث بالتفصيل مع الجيش لأنه انطلق في خلافة الصديق رضي الله عنه
__________
وكان قد نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة حنين
{{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }}
فلما نزلت هذه السورة
قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام
:_ يا جبريل! أرى أنه قد نعيت إليَّ نفسي بهذه السورة
فقال جبريل: _ يا رسول الله
{{ والآخرة خير لك من الأولى }}
والآن وقبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأيام
ينزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم
بآخر اية من القران
قوله تعالى {{ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }} الآية281 من سورة البقرة
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :_ نعيت إلي نفسي
___________
وخرج صلى الله عليه وسلم ، لزيارة شهداء احد
فوقف صلى الله عليه وسلم ومعه جمع من اصحابه
وقال :_ السلام عليكم دار قوم مؤمنين, وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، ثم دعا لهم واستغفر
ثم ألتفت الى أصحابه وقال :_ وَددت أن لو رأيت إخواني
قال الصحابة :_أولسنا إخوانك يا رسول الله؟
قال :_ أنتم أصحابي وإخواني الذين يأتون من بعدي يود أحدهم أن لو رآني بأهله وماله
[[هل اشتقتم للحبيب كما اشتاق لكم ؟؟ بعد أن عشتم ايام وايام مع سيرته صلى الله عليه وسلم ، هل اشتقتم له
هل شعرتم بلذة محبته في قلوبكم ، الذي أحبكم ولم يراكم ، وتمنى لو رأكم ؟؟ ]]
ثم قال :_ وانا فرطهم على الحوض
[[ بمعنى كيف عندما يكون رجال في سفر وينطلق رجل منهم قبلهم يهيئ لهم المكان من ماء ومجلس يقال عنه عند العرب فرط القوم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم فرط أمته على الحوض عندما يصلون لحوضه يكون قد هيئ لهم ما يسر قلوبهم ويفرحهم حبيب قلوبنا صلى الله عليه وسلم ]]
فقالوا:_ يا رسول الله, كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟
[[ يعني اناس لم تراهم لم تلتقي بهم كيف ستعرفهم ؟؟ ]]
قال: _ أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة [[ الغر هو البياض في غرة الحصان ، محجلة وهو ذلك االبياض الذي يكون على ارجلها وليس شرط ان يكون في قوائمها الاربعة ، اثنين الامامية يكفي ليقال عنها محجلة ]]
في خيل دُهم بُهم ألا يعرف خيله؟
[[ دُهم يعني لونهم اسود ومعنى بُهم الذي لا يخالط لونه لون آخر بلغتنا يعني حصان اسود ما عليه ولا شعرة ملونة اسود كحل ، فمن السهل ان تفرق الحصان اللي غرته بيضاء وقدميه فيها بياض من الحصان الاسود فالنبي يسأل الصحابة ألا يفرق صاحبهم بينهم ويعرفهم ، وكذلك يعرف صلى الله عليه وسلم امته ]]
قالوا: _بلى يا رسول الله
قال:_ فإنهم يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من الوضوء
[[ أي نور يسطع من جوههم وايدهم بسبب الوضوء ، وهذه العلامة التي بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة سببها الوضوء وهذا يدل ان هذه العلامة ليست لأحد من الامم إلا لهذه الامة ، فلو أتت اي امة بهذه العلامة كيف سيعرف النبي امته ، إذن هي علامة مخصصة لأمته ]]
وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال
[[ بمعنى ألا ليذادن رجال ، أي يطرد عن حوضه كما يطرد البعير الضال الذي ضاع عن صاحبه ، كانت العرب تضع احواض لأبلها وخيولها ، فيأتي البعير الضال يريد ان يشرب معهم ، فيأتي الراعي ويطرده ويضربه فيهرب هكذا كانت العرب في الجاهلية ، فعلمهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الرفق بالحيوان فقال :_ في كل كبد رطبة أجر ، ليذادن أي لا بد له ان يطرد من قبل الملائكة عن حوضه ]]
أناديهم:_ ألا هلم, ألا هلم, ألا هلم [[ اي ينادي عليهم تقدموا تقدموا ]]
فيقال:_ إنهم قد بدلوا بعدك
[[ غيروا بعدك فشربوا الخمر وسموه مشروبات روحية ، انت حرمت دم المسلم فسفكوا الدماء ، جعلت القرآن منهاج الامة ، فوضعوه ورفعوا احكامهم ودستورهم ، أمرت بالحجاب فسموه أمر رجعي وتخلف وقالوا الايمان بالقلب ، قلت الربا حرام فبدلوا اسمه وسموه فائدة واستحلوا ما حرم الله ، وقالوا شو نعمل ماهو اذا ما اخذت قسط ما بركب سيارة وكل الناس بتعمل هيك ]]
فأقول: _سحقا سحقا
___________
وبعد أن رجع صلى الله عليه وسلم اصبح يشعر بأعراض الحمى وارتفاع الحرارة
فصلى يوما العشاء ، وقال لأحد اصحابه واسمه
{{ أبو مويهبة }} رضي الله عنه
قال له :_ انطلق بنا الى البقيع [[ وهي مقبرة المدينة ]]
وأمسك بيد {{ ابو مويهبة }} لأن الحمى كانت تهزه صلى الله عليه وسلم [[ يرجف من الحمى صلى الله عليه وسلم]]
ودخل البقيع فوقف على اوله
ثم قال _ السلام عليكم دار قوم مؤمنين ! أنتم السابقون ونحن بكم لاحقون
اللهم رب هذه الأجساد البالية ، والعظام النخرة ، أنزل عليهم روح منك وسلامٌ منا
ثم دعا لهم واستغفر
ثم قال :_ هنيئاً لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، لقد أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها وآخرها أشر من أولها
[[ أي يبشرهم أنهم خرجوا في حياته فلا فتن في حياته صلى الله عليه وسلم ]]
ثم التفت الى أبو مويهبة
وقال له:_لقد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة
[[ يعني خيره الله أن يكون له ملك الدنيا الى ان تقوم الساعة ، خالدا فيها ، ثم يوم القيامة هو هو محمد رسول الله فلا ينقص من اجره شيء ، فأختار صلى الله عليه وسلم لقاء الله ]]
فقال أبو مويهبة :_ بأبي أنت وأمي يا رسول الله! فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة
فقال صلى الله عليه وسلم
:- لا والله يا أبا مويهبة! لقد اخترت لقاء ربي والجنة
ثم استغفر صلى الله عليه وسلم لأهل البقيع، وعاد وهو يشعر بصداع شديد في رأسه حتى اوصله ابا مويهبة الى باب حجرة عائشة وهو ممسك بيده
__________
ودخل صلى الله عليه وسلم على حجرة عائشة
فوجدها تقول: _ وا رأساه
[[ اي اه يا راسي من شدة ألم الراس ]]
فأمسك برأسه الشريف صلى الله عليه وسلم
وقال: _ بل أنا والله يا عائشة وا رأساه
[[ يعني لو تعلمين الألم الذي نزل في راسي ، ولم يكن من عادة النبي أن يشتكي من أي ألم في مرض، ولكن كان الألم هذه المرة شديدا جداً ]]
ثم أخذ يداعبها صلى الله عليه وسلم لينسيها ألم راسها رغم مافيه هو من ألم
فقال :_ يا عائشة وما عليك لو متِّ قبلي ، فقمت عليك فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك بيدي
[[وكانت عائشة من دون أزواجه جميعاً تُعرف بشدة الغيرة
فلما سمعت هذه المقولة نسيت ألم راسها ، طار الوجع ]]
وقالت :_ لو كنت فعلت [[ يعني لو كنت متت قبلك ]]
لكنت نفضت يديك من دفني ، وعدت لحجرتي وأعرست بزوجة جديدة
فضحك صلى الله عليه وسلم من قولها وردة فعلها رضي الله عنها وارضاها
_________
واشتد الألم بالنبي صلى الله عليه وسلم فألتفت الى عائشة وقال :_ يا عائشة ما أزال اجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم
[[ هو الشاة المسمومة التي أعدها اليهود في خيبر، لقتل النبي صلى الله عليه وسلم في السنة السابعة من الهجرة وقد ذكرناها و{ الابهر } هو الشريان الأورطي، وهو اكبر شريان في جسم الإنسان، والذي يوزع الدم المؤكسج الى جميع أجزاء الجسم
اذن سبب مرضه صلى الله عليه وسلم هو تأثير السم على الشريان الأورطي الذي كان سببه اليهود اخوة القردة والخنازير فهم قتلت الانبياء لعنهم الله ولعن من وقف معهم وساندهم وايدهم
وقد بقي أثر السم في جسده أكثر من ثلاثة سنوات، حتى يعطي الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم مع درجة النبوة درجة الشهادة، وذلك لإرادة الله تكميل مراتب الفضل كلها له صلى الله عليه وسلم ]]
_________
وكان مع شدة ألمه صلى الله عليه وسلم يخرج للصلاة بالناس في المسجد، ويبيت كل يوم في بيت زوجة من زوجاته
وعندما رأى صلى الله عليه وسلم اشتداد المرض به والحمى وكان يقسم بين ازواجه حتى في مرضه ، يطوف عليهن جميعاً فلكل واحدة يوم وليلة
ولقد ذكرت لكم في طريقه لحجة الوداع عندما غضب النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة {{ زينب بنت جحش رضي الله عنها }} إحدى زواجاته وقاطعها عندما قالت لزوجته الأخرى صفية رضي الله عنها:_ هذه اليهودية !! في الجزء {{ ٢٦٥ }}
فمن ذلك اليوم أسقط النبي صلى الله عليه وسلم من حساباته {{ زينب }} وكأنها ليست زوجة له وقاطعها
لا يقسم لها في مبيت ، ولا يكلمها ولا يسأل عنها ابداً ، وهو في الحج و محرم
تقول زينب :_ كنت اتعرض له في الطريق وأسلم عليه
اقول :_ السلام عليك يا رسول الله ، وانظر هل يحرك شفتيه يرد علي السلام
[[ لان السلام بدُءه سنة والرد عليه واجب ]]
فتقول :_ ما كنت اظن رسول الله يترك واجباً ، بنص القران
قال تعالى {{ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا }}
تقول :_انظر الى شفتيه هل يحركهما ويرد علي ، فلا يرد
ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يرد بقلبه [[ كي لا يعطيها امل في انه كان راضٍ عليها ابدا ]]
مضى هذا كله في طريقه للحج ، وحتى رجع ولم يقسم لها بقية هذه الأيام ابداً
أنتهى الحج ، وذي الحجة ، ودخل محرم و ومضى ودخل صفر ونحن في آخره [[ يعني تقريبا ٨٠ يوم]] وهو لا يحسبها من امهات المؤمنين على الاطلاق
________
فلما ثقل به المرض وأشتد
وعلم أنه إن خرج من هذه الدنيا ، فلن يكلمها أحد من بعده ابداً ويعتبرونها مغضوبٌ عليها
فمشى صلى الله عليه وسلم وهو عاصبٌ رأسه ، يجر خطاه على الأرض من شدة الحمى ، حتى أتى حجرة زينب [[وحجرات أزواجه متلاصقة حول المسجد ]]
فطرق الباب ففتحت
وذهلت فلم تعرف ماذا تصنع ؟؟ وغمرتها الفرحة ، وغاب عنها القيام بواجب رسول الله
فلقد كانت قد طوت فراشه حين هجرها إجلالاً له ، فلا يجلس عليه احد ، ولا تنام هي عليه
بل كانت تنام على الارض ، فطوت سريره وكان السرير من قصب يجدل عليه الحبال ويطوى ويفرد
طوت سريره ، وطوت فراشه ، وأصبحت تنام على قطيفة في الارض احتراماً لفراش رسول الله
فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم وقفت مكانها لا تدري ماذا تصنع ؟؟ رسول الله يسعى إليها بنفسه !!!!
من غير أن ترجوه ، من غير واسطة بينهم ، من غير أن ينزل وحي ؟؟
فلما رأها ، عذرها لذهولها
فمشى بنفسه الى السرير و وضعه على الأرض ، ثم أخذ الفراش و وضعه عليه
وأمرها ان تغلق باب الحجرة ، ثم أتاها صلى الله عليه وسلم مع ما به من ألم ومرض
وأغتسل في حجرتها ، ومضى بقية اليوم وتلك الليلة كقسمتها كسائر ازواجه صلى الله عليه وسلم
________
ثم انتقل صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني الى بيت زوجته {{ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها }} وقد ثقل عليه المرض في بيت ميمونة
واشتد الألم برسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا قبل وفاته فجمع زوجاته
وقال لهن: _لقد ثقل المرض بي وأصبحت عاجزاً عن التنقال الى حجراتكن أفتأذن لي أن أمرض في بيت عائشه ؟
فهي اقرب حجرة الى المصلى
{{ انظروا الى اخلاق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم}}
فقلن: – أذنا لك يا رسول الله
يتبع إن شاء الله …..