على خُطى الرَّسول ﷺ ٤٦
الأدبُ أدبُ الله!
كان للإمام مالك ابنة اسمها فاطمة، كانتْ تحفظُ أحاديث الموطأ عن ظهر قلب، وكان إذا جلس الإمام ليستمع إلى تلاميذه وهم يقرأون عليه الموطأ، تجلسُ ابنته فاطمة وراء الباب، فإذا طرقتْ على الباب بيدها، انتبه الإمام مالك أن التلميذ أخطأ!
وكان له ابن اسمه محمد مولع باقتناء الحمام، رغم أن الإمام لم يترك طريقاً ليُحبب إليه العلم، إلا أنه عجز عنه، ومرةً رآه يحمل طير حمام ويركضُ فيه، فقال مشيراً إلى ابنته: الأدبُ أدبُ اللهِ، هذا ابني وهذه ابنتي!
وكانت فاطمة بنت الإمام مالك إذا افتقرَ تساعده في السوق في بيع الخضار، وكانوا يبيعون الخضار بالخبز، وكانت مرةً في السوق وقد تركها الإمام لبعض شأنه، فجاءها رجل فقال: آخذ منكِ الخضار، فإذا كان الغدُ وجاءنا الخبز جئتكِ بالثمن.
فقالت له: لا يجوز ذلك
فقال لها: ولمَ
فقالتْ: لأنه بيع طعام بطعام فلا بُدَّ أن يكون يداً بيد
فسأل عنها من تكون، فقيل له: ابنة الإمام مالك!
يُبتلى الصالحون أحياناً في أهاليهم، ولنا في الأنبياء أُسوة حسنة!
فزوجة لوط عليه السّلام كانت كافرة، وزوجة نوح عليه السلام كانت كافرةً أيضاً، وآزر أبو إبراهيم عليه السلام كان كافراً، وقد جاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقرآن فيه ذمُّ عمه أبي لهب!
الإنسان يسعى جاهداً لتربية أولاده تربية حسنة، والأصل والقاعدة أن التربية تُثمر وتُؤتي أُكلها، ولكن لكل قاعدة شواذ! ويستحيل أن يكون نوح عليه السّلام قد فرَّط في تربية ابنه، ودعوته إلى الله تعالى، ولكن سبحان من بيده الهداية، فقد قرر ذلك العاق أن يأوي إلى جبل يعصمه من الماء بدل أن يركب السفينة مع أبيه رغم نداء الأب المشفق له وهو يقول: “يا بُنيَّ اركب معنا”!
نحن مسؤولون عن السَّعي لا عن النتائج، وإنَّ الله سبحانه سيسألنا عن الطريقة التي ربينا بها أولادنا وبناتنا، ولكنه لن يسألنا عن نتيجة هذه التربية إن أثمرتْ أو لم تُثمر!
وإن في قصص الصالحين عزاءً، فإن اتعبتكَ زوجتك فأين أنتَ من زوجتي نوح ولوط عليهما السّلام!
وإن لم يكن أبوك صالحاً كما تُحبُّ فلا شك هو أفضل من آزر أبي ابراهيم عليه السلام فليس بعد الكُفر ذنب!
وإن اتعبكَ ابنُكَ فلعلَّ ذلكَ أقل تعباً عليكَ من أن يغرقَ ابنك كافراً أمام عينيكَ!
أدهم شرقاوي