على خُطى الرسول ﷺ 52
يقول سعد بن أبي وقاص: أعطى النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجالاً مالاً وأنا جالسٌ عنده، ولم يُعطِ رجلاً هو أفضلهم في نظري.
فقلتُ: يا رسول الله، ما لكَ عن فُلانٍ، فواللهِ إني لأراه مؤمناً؟
فسكتَ ولم يُجبني! ثم غلبَ عليَّ ما أعلمه من صلاح الرجل، فعدتُ لمقالتي، فقلتُ: يا رسول الله، ما لكَ عن فُلانٍ، فواللهِ إني لأراه مؤمناً؟
فسكتَ ولم يُجبني!
فسكتُّ قليلاً، ثم عدتُ لمقالتي..
فقال لي: يا سعد، إني لأعطي الرجل، وغيره أحبُّ إلىَّ منه، خشية أن يكبَّه الله في النار!
حديث عظيم لو فهمناه لهانَ علينا فهمُ حكمة الله تعالى في الأرزاق!
كان النبيُّ صلى الله علي وسلم يُعطي بعض الناس مالاً لما يعرفُ من ضعف إيمانهم، وأنه إذا لم يُعطهم لربما لم يصبروا على إسلامهم، فكان عطاؤه لهم رحمةً منه عليهم، ويمنعُ بعض أصحابه وهم أحبُّ إليه ممن أعطاهم لأنه يعرف أن الإيمان في قلوبهم كالجبال الرواسي، لا يزيد بعطاء، ولا ينقص بمنع!
وهكذا قدر الله في الأرزاق!
إنَّ الله سبحانه يُعطي أُناساً من خلقه مالاً رحمةً بهم، لأنه سبقَ بعلمه أن هؤلاء لا يصلحهم إلا الغِنى، وكذلكَ فإنه يمنعُ عباداً له يُحبهم من كثير المال لأنه يعلمُ أن هؤلاء لا يصلحهم إلا الفقر!
أرسلَ الله تعالى الخضر وموسى عليهما السَّلام لثقب سفينة المساكين التي لو لم تُثقب لأخذها منهم الملكُ عنوة، تخيلوا كم كانوا أعزاء على الله حتى يرسل إليهم الخضر العبد الصالح، وكليمه موسى ليحفظ عليهم مصدر رزقهم الذي يبقيهم فقراء ومساكين، فلا هو أغناهم وكان قادراً، ولا قطع رزقهم وكان قادراً، ولكنه علم على حبه لهم أنَّ هذا هو أفضل لهم!
فإنْ ضاقَ رزقكَ فتعزَّ بهم! فربما هذا أصلح لكَ، وفي قلة ذات يدك رقة لقلبك، ولين في طبعك، وهو خير لكَ في آخرتك من مالٍ يُطغيك ويصرفكَ عن ربكَ!
خيرة اللهِ لعبده خير من خيرة العبد لنفسه، وفي هذا يقول عمر بن الخطاب: لو فُتحت حُجب الغيب ما اختار الإنسان لنفسه إلا ما اختاره له ربه!
أدهم شرقاوي