على خطى الرسول ٥٤ ﷺ
هنا وضعه رسول الله
كان للعباس بن عبد المطلب ميزاب على طريق عمر بن الخطاب، فلبس عُمر ثيابه يوم الجمعة، ومضى إلى المسجد ليخطب بالناس، وكان أهل العباس قد ذبحوا فرخين على سطح الدار، وصبوا الماء لتنظيف الدم لحظة مرور عمر دون أن ينتبهوا، فأصاب عمر شيءٌ من الماء والدم، فأمرَ بقلعِ الميزاب من مكانه!
رجع إلى بيته مسرعاً، فبدَّل ثيابه، ولبس غيرها، وعاد إلى المسجد، فخطبَ بالناس وصلى بهم، فلما انتهى جاءه العباس وقال له: واللهِ إنَّ هذا الميزاب وضعه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بيده في هذا الموضع!
فقال له عمر: أقسمتُ عليكَ إلا صعدتَ على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضعه فيه النبي صلى الله عليه وسلم.
ففعلَ العبَّاس ذلك!
نزعَ عمر بن الخطاب ميزاب العبَّاس لأنه رأى فيه ضرراً، فكما تسببَ بتلويث ثيابه، قد يتسبب بتلويث ثياب غيره، وهو الخليفة وواجبه دفع الضرر عن الرعية، فلما أخبره العباس أن الميزاب قد وضعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة في هذا الموضع، أبى إلا أن يحملَ العباس على ظهره ليقوم بوضعه من جديد، أي حُبٍّ هذا، وأي رجوع إلى الحق، واي تواضع، وأي امتثال؟!
لقد وضعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ما هو أثمن وأغلى من ميزابٍ فهل حافظنا على ما وضعه؟!
لقد وضع بِرَّ الآباء والأمهات وأرساه، فهل بررنا آباءنا وأمهاتنا، أم عققناهم فنزعنا بأيدينا ما وضعَ بيده؟!
لقد وضع الإحسان إلى الجار وأرساه، فهل أحسنَّا إلى جيراننا، أم آذيناهم بما يؤذي به الإنسان جاره، تارةً بالصوت المرتفع، وتارةً بغيبتهم، ومرةً بتتبع عوراتهم، وأخرى بإتلاف ممتلكاتهم، فنزعنا بأيدينا ما وضعَ بيده؟!
لقد وضع صلة الرَّحم وأرساها، فهل وصلنا أرحامنا، أم خاصمناهم لأجل تافهٍ من توافه الدنيا، فلا الأخ يطرق باب أخته، ولا الأختُ تعرفُ بيت أخيها، العم مهجور، والخال لا يُسأل عنه إلا من العيد إلى العيد هذا إن سُئل عنه، فنزعنا بأيدينا ما وضع بيده؟!
ما أحنى عمر بن الخطاب ظهره ليصعد عليه العباس ليركِّب الميزاب مكانه إلا حُباً للنبي صلى الله عليه وسلم، الحُبُّ امتثال واقتداء والتزام، فإن أحببتَ نبيّكَ فلا تنزع ما وضعه، وإن نزعتَ فاحنِ ظهركَ إحناء عمر ظهره، وأعِد الأشياء بسرعةٍ إلى مكانها!
أدهم شرقاوي