*في قصصهم عبرة ٣*
*عزف على الوتر الحساس!*
في القرن الثاني عشر هاجمَ المغولُ بقيادةِ “جنكيز خان” الصين، واحتلُّوا مدناً كثيرة، وكانوا كُلَّما احتلُّوا مدينةً أبادوا سُكانها، وكان “جنكيز خان” همجياً لا يُقَدِّر قيمة الحضارة، ولم يكُن يرى في الصين غير بلادٍ شاسعةٍ تصلُحُ لرعي خيوله! لهذا عزمَ على قتلِ الصينيين جميعاً!
ولكن رجلاً واحداً يُدعى “شو أوستاي” استطاعَ إنقاذ الصين! لم يكُن صينياً، ولكنه تربَّى فيها وأحبَّها جداً كأنها بلده، وكان خارق الذكاء، واستطاعَ أن يصلَ بذكائه إلى مرتبةِ مُستشار “لجنكيز خان”، اقترحَ أولاً عليه أن لا يُدمر المُدن ولا يقتل سكانها، ولكن أن يحتلَّها ويفرضَ جزيةً عليها وبهذا تزداد أمواله!
وعندما توجَّهَ “جنكيز خان” إلى مدينةِ كايفنغ، وتمكَّنَ من احتلالِها بعد حِصارٍ طويلٍ، قرَّرَ أن يقتلَ الجميع فيها، ولكن “شو أوستاي” قالَ له: إن أفضل مُهندسي الصين، وحِرفييها، ومُفكريها قد هربوا إلى المدينة، وأنه بدلَ قتلهم من الأفضل أن يستخدمَهُم لتوطيدِ أركانِ مُلكه!
ومرةً أخرى اقتنعَ “جنكيز خان” وأظهرَ رحمةً لم تكُن معروفة عنه، وقرَّرَ الإبقاءَ على حياةِ سُكانِ المدينة.
في الحقيقةِ كان “شو أوستاي” يعرفُ بذكائه أن “جنكيز خان” آخر ما يهتمُ له هو بناء حضارة، وأنه همجي لا يرتوي إلا بتدميرِ البلادِ وقتلِ العبادِ، ولكنه كان يعزفُ على وترٍ حساسٍ وجده فيه، الطمعُ لا غير!
في كل واحدٍ منا وترٌ حسَّاس!
هذا الوترُ أشبه بمفتاحٍ لبابٍ مُغلقٍ هو الإنسان، ومن استطاعَ الحصول على المفتاح، كان دخوله إلى صدورِ الآخرين يسيراً، وإلى إقناعِهِم بفعلِ أمرٍ أو تركه يسيراً!
على سبيلِ المثال، إن الزوجة التي تطلبُ الطلاقَ في الغالبِ تتراجعُ عنه حين نعزفُ لها على وترِ أولادها، ذلك أن الأم مفتاح قلبها هم الأولاد!
لا يُمكنك أن تُقنعَ تاجراً بمشاركتكَ في صفقةٍ بأن تُخبره أن هذه الصفقة ستجعل المجتمع أفضل، عليكَ أن تُخبره كم سيربح! وترُ التاجرِ هو الربح لا غير!
البخيلُ عليكَ أن تُخبره أولاً أنه لن يدفعَ شيئاً، وسيُوافقُ على الفورِ بالاشتراكِ معكَ في الفكرةِ دون التدقيق في التفاصيل حتى لو كانتْ الفكرة تسلُّق قمةِ هملايا مشياً على الأقدام!
الفكرةُ من هذا كله، معرفةُ مفتاحُ الباب، يُغنينا عن عناءِ خلعه!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية