في قصصهم عبرة ١٤
الجمعُ بين المُتحابين!
روى ابن الجوزي في كتابه الماتعِ “أخبار الحمقى والمغفلين”، أن الخليفة المهدي العباسي دخلَ يوماً بناءً، وأمرَ أن يُخرَجَ كل من فيه، وبقيَ هناك رجلان خَفِيا عن أعينِ الحرس، ثم في وقتٍ لاحقٍ جِيءَ بهما إليه.
فقالَ للأول: من أنتَ؟
فقال: أنا، أنا، أنا.
فقالَ له: ويلكَ من أنتَ؟
فقال: لا أدري!
فقالَ له المهدي: ألكَ حاجة فنقضيها؟
قال: لا.
فقالَ له: اغربْ عني يا أحمق!
ثم رأى الثاني فاستنطقه، فأجابه بقلبٍ قوي ولسانٍ جريء.
فقال له: من أنتَ؟
فقال: رجلٌ من رجالِ دعوتك يا أمير المؤمنين!
فقالَ له: فما جاء بكَ إلى هنا؟
قال: جئتُ أنظُرُ في هذا البناء الحسن، وأدعو لأمير المؤمنين أن يُعمره بطولِ العمر. فقالَ له المهدي: ألكَ حاجة فنقضيها؟
فقال: نعم، خطبتُ ابنة عمٍ لي فردَّني أبوها، وقال: أنتَ فقير! والناسُ يا مولاي يُحبون المال، وأنا بها شغوف!
فقالَ له الخليفة: قد أمرتُ لكَ بخمسين ألف درهم.
فقالَ الرجل: جعلني الله فداكَ يا أمير المؤمنين، قد وصلتَ فأجزلتَ الصِّلة، ومننتَ فأعظمتَ المِنَّة، فجعلَ الله باقي عُمرك أكثر من ماضيه، وآخر أيامك خيراً من أولها!
فقالَ المهدي: عقلُ المرء يجري على لسانه!
جاءَ الإسلامُ رحمةً للناس، وعدَّ الجمع بين المُتحابين من جبرِ الخواطر، ومكارمِ الأخلاق، لأن خالق الناس يعلمُ أنهم قلوب أول الأمر، قبل أن يكونوا لحماً ودماً!
جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقالَ له: يا رسول الله في حجري يتيمة وقد خطبها رجل معدم ورجل موسر، وهي تهوى المعدم ونحن نهوى الموسر!
فقالَ له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: لا أرى للمُتحابين إلا النكاح!
وهذا عُمر بن الخطاب حين علمَ بحبِ عُروة لعفراء وحبها له في الجاهلية، وكيف حالَ الأهل بينهما، قال وهو يومئذٍ خليفة للمسلمين: لو أدركتُ عُروة وعفراء لجمعتُ بينهما!
فالله الله في قلوبِ المُتحابِّين، لا تكسروا قلوبهم ما دامَ الجمع بينهما ممكناً، فإن جبرَ الخواطرِ عبادة!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية