في قصصهم عِبرة ٢٢ – لو باعكَ!

في قصصهم عِبرة ٢٢ - لو باعكَ!

في قصصهم عِبرة ٢٢
لو باعكَ!

روى “ابن كثير” في الجزءِ الحادي عشر من “البداية والنهاية”، أن يوسف بن يعقوب القاضي، كانَ من أكابرِ العُلماء وأعيانهم، ولَّاه المُعتضد العباسي قضاءَ البصرة وواسط والجانب الشرقي من بغداد، وكانَ يوسف حازماً عادلاً، لا يرى كبيراً في الحق!
جاءه يوماً بعض خدم الخليفة، وأبدى الخادمُ غروراً، ورفضَ أن يجلسَ مع خصمه لأنه من العوام!
فغضبَ القاضي، وقال: نادوا لي على أحدِ النخاسين، أبيعه هذا العبد، وأرسلُ ثمنه إلى الخليفة!
فجاءَ حاجبُ القاضي، وأخذَ الخادم من يده، وأجلسه مع خصمه، وقالَ له: هنا مكانكَ وإلا باعكَ!

فلما انفضَّ المجلس، عادَ الخادمُ إلى الخليفة، وبكى بين يديه!
فقالَ له المُعتضد: ما بكَ؟
فأخبره بالخبر، وكيف أرادَ القاضي بيعه.
فقالَ له الخليفة: واللهِ لو باعكَ لأجزتُ بيعه، ولما استرجعتُكَ أبداً، فخصوصيتكَ عندي لا تُزيل مرتبة الشرع، ولا حُكم القضاء، فإنهما عمود السلطان، وقوام الناس!

وإنَّكَ في هذه القصةِ لا تعلمُ ممن تعجبُ، من جرأةِ القاضي في الحق، وعدمِ محاباته خادم الخليفة رغم أنه يعلمُ حظوته عنده، أم تعجبُ من الخليفةِ الذي حفظَ هيبةَ القضاء، وفهمَ قيمته للحفاظِ على الدولة، ولم يعتبر المسألة شخصية بينه وبين القاضي، وإنَّما شدَّ على يده، وأيَّده في حُكمه على خادمه!

لا أحد يُحافظُ على هيبةِ القضاءِ إلا القُضاة، ولا أحد يُريقِ ماء وجهِ العدالةِ إلا أهل العدالة! ولا أحد يُقيمُ هيبة الدولة إلا رجال الدولة، ولا أحد يُزيلُ هيبتها إلا هم!
عندما يجعلُ الحاكمُ أمرَ القضاءِ فوقَ كل الناس لا يجرؤ أحد على انتهاكه، وعندما يُنزِلُ الأحكامَ على فئةٍ دون فئة يستهينُ الناسُ بالقضاء، وكما يكونُ الأمراءُ يكونُ الناس!

عندما جاءَ المُسلمون بكنوزِ كِسرى إلى المدينةِ المنورة، قالَ عُمر بن الخطاب لعلي بن أبي طالب: إنَّ قوماً أدُّوا هذا لقوم أمناء! فقالَ له علي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين رأوك عففتَ فعفُّوا، ولو رأوكَ رَتَعْتَ لرتعوا!
+
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية