في قصصهم عِبرة ٢٣
أُريدُ فأساً!
في كتابِ “غذاء الأرواح بالمحادثة والمزاح” للمقدسي، أنَّ رجلاً أرادَ أن يُهديَ الحجاج بن يوسف الثقفي تيناً قبل أوانه ليأخذ منه جائزة، فلمَّا صارَ ببابِ قصره، أقبلَ الشرطيُّ ومعه طائفة من اللصوصِ وقطاعِ الطُرق، وقد هربَ منهم واحد، فأخذَ الشرطيُّ صاحبَ التينِ عوضاً عنه!
ولمَّا عرضهم على الحجاج، أمرَ بضربِ أعناقهم!
فصاحَ صاحبُ التينِ قائلاً: لستُ منهم!
فقالَ له: ما شأنك؟
فقصَّ عليه القصة.
فقالَ الحجاج: لا حول ولا قوة إلا بالله، كادَ الملعونُ أن يهلكَ ظلماً!
ثم قال للرجل: ما تُريدُ من الجائزة؟
فقالَ له: أيها الأمير، أُريدُ فأساً!
فقالَ له الحجاج: وما تصنعُ بها؟
فقال: أقطعُ شجرةَ التينِ التي عرَّفتني بك!
فضحكَ الحجاج، ثم أمرَ له بمال!
كُلُّنا، واللهِ، نُريدُ فأساً نقطعُ بها تلكَ الشجرة التي كانتْ سبباً في معرفتنا بأحدهم!
كُلُّنا نتحسسُ جرحاً غائراً تسببَ به من ائتمناه فخانَ الأمانة. غدَرَ ورحلَ، وما زالَ الجرحُ طرياً غضَّاً نلمسُه بأصابعِ الوجعِ والخيبة!
كُلُّنا نذكرُ كلمةً جارحةً كانتْ أمضى من السكين، اخترقتْ اللحم حتى بلغتْ العظم، أو لعلها استقرَّتْ في سُويداءِ القلب، مضى الليل والنهار، وهي ما زالتْ ماكثة تَخِزُنا عميقاً!
كُلُّنا أوتينا يوماً من مأمننا، خلعنا أثوابَ الحذرِ ذات ثقة، فلمَّا انكشفنا جاءتنا الضربة، ومسَّنا الخذلان، حتى بدتْ لنا سوأتنا التي لم نستطعْ أن نُداريها حتى اليوم ولو خصفنا لها أشجار الأرض كلها!
ولكن لا بأس، القُساةُ جعلونا أكثر قوة، حتى إذا جاءَ غيرهم لم نترنَّحْ لأولِ ضربة، ولم نتفاجأ لأولِ خذلان!
الجارحون كاللقاحات، مرضٌ مخففٌ يحقنوننا به لنكتسب مناعة، فإذا ما جاءَ المرضُ كُنا على أهبةِ المواجهة!
أيها الغادِرون لا بارك الله مقامكم حيثُ كُنتم، ولكنَّنا اليومَ أقوى!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية