في قصصهم عِبرة ٢٩
الغُرابُ والثعلب!
يروي “لافونتين” عن “إيسوب”، أنَّ غراباً حطَّ على غصنِ سنديانة، وكانَ يحملُ في منقاره قطعةً من الجُبن!
تنشَّقَ الثعلبُ رائحةَ الجُبنِ فلم يقوَ على مُقاومتها، فقالَ للغُراب:
يا أمير الغِربان، في هذه الأصقاع لم نرَ أبداً وجهاً أجمل من وجهك، فإن كان صوتك في التغريدِ يُشبهُ حُسن وجهك، لكانَ يجبُ أن تكونَ ملكَ الغابة، أسْمِعْني تغريدك!
وفتحَ الغرابُ منقارَه ليُغرِّد، فسقطتْ منه قطعةُ الجُبن!
التقطَها الثعلبُ على الفورِ وأكلها، ثم قالَ للغُراب:
أيُّها الغراب، إن المُتَمَلِّقين يعيشون على الذين يبتلعون مديحهم، وقطعةُ الجُبنِ ليستْ ثمناً باهظاً لقاء نصيحة قيمة كهذه!
على ما يبدو أن التملُّق قديم على ظهرِ هذا الكوكب، ويبدو أنَّ الإنسان هو الإنسان في كلِّ عصر، نحن نُسَخٌ تتكررُ بأسماءٍ أُخرى! والتملُّقُ لم يخلُ منه زمان، والمُتَمَلِّقون سيصمدون حتى ينفخ إسرافيلُ في الصور!
مدحَ شاعرٌ أحدَ الأُمراءِ فلم يُعطه شيئاً، فقالَ الشاعر:
إن لم يكُن منكم فضل لذي أدبِ
فأُجرة الدربِ أو كفارة الكذبِ
ووقفَ شاعرٌ مُعوجُّ الفمِ أمامَ أحد الولاةِ ليمدحه، ولكن الوالي لم يُعطهِ شيئاً، وإنما سأله: فما بال فمكَ معوجاً؟
فقالَ له: من كثرةِ الثناءِ على الناسِ بالباطل!
وحدثَ زلزالٌ في مصر في عهدِ المُعِزِّ الفاطمي، فقالَ الناس: هذا غضبٌ من الله!
ولكن شاعر المُعِزِّ قال له:
ما اهتزت الأرض من ألمٍ حلَّ بها
لكنها اهتزتْ من عدلكم طرباً
قالتْ العربُ قديماً: من مدحكَ بما ليسَ فيكَ فقد ذمَّكَ!
المُتَمَلِّقُ إنما يذُمُكَ على هيئةِ مديح، وإنه متى أخذَ حاجته منكَ ابتعدَ عنكَ وذهبَ لغيرك، ولا تنسَ أبداً أنَّ من مدحكَ مرةً بما ليس فيك، فسيذمُك يوماً بما ليسَ فيك أيضاً!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية