في قصصهم عبرة ٣٠ – بشِّرْ نور الدين!

في قصصهم عبرة ٣٠ - بشِّرْ نور الدين!

في قصصهم عبرة ٣٠
بشِّرْ نور الدين!

روى الذَّهبي في رائعته سير أعلام النبلاء: أن الفرنجة لما نزلتْ دمياط، ما زال نور الدين زنكي عشرين يوماً يصوم ولا يُفطر، إلا على الماء! فضعُف جسمه، وكاد يتلف، وكان مُهاباً، ما يجرؤُ أحد أن يقول له: ترفَّقْ بنفسك!
فرأى شيخه يحيى النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المنام، وقال له: يا يحيى بشِّرْ نور الدِّين برحيل الفرنجة عن دمياط!
فقال يحيى: يا رسول الله، ربما لا يصدقني!
فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: قُلْ له بعلامةِ يومِ حارم!
ومعركة حارم هي حرب طاحنة جرتْ بين جيش المسلمين بقيادة نور الدين زنكي ضد تحالف الصليبيين في طرابلس، وإنطاكية، والأرمن، والإمبراطورية البيزنطية!
ونصر الله يومها المسلمين نصراً ساحقاً.

فلما صلُّوا الصُّبح، قال يحيى لنور الدين: أُحدِّثك أم تحدثني؟
فقال له نور الدين: حدِّثني أنتَ!
فقال له: يُبشِّرك النبيُّ صلى الله عليه وسلم برحيل الفرنجة عن دمياط بعلامة يوم حارم! فما علامة يوم حارم؟
فقال له نور الدين: لما التقينا العدو، خِفْتُ على الإسلام، فانفردتُ بنفسي، ومرَّغْتُ وجهي على التُراب، وناجيتُ ربي قائلاً: يا سيدي ومولاي، من عبدك الفقير نور الدين، الدِّينُ دِينُك، والجُندُ جُندُك، وهذا اليوم اِفعلْ ما يليقُ بكرمك!

يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: لا يبقى بعد النبوة إلا المُبشِّرات.
قالوا: يا رسول الله، ما المبشِّرات؟
فقال: الرؤيا الصالحة، يراها الرجل أو تُرى له!

ولقد ابتُلِيْنا في هذه الأيام بصنفين من الناس، كلاهما أنزل الرؤى غير منزلها، صنف أول عاشَ في الأحلام وهجر الواقع، فكان فيها مهووساً، أوقف حياته وعمره عليها، وصنف آخر أنكرها جملةً وتفصيلاً!

والحق لا في هؤلاء ولا هؤلاء، إنما في وسطية ليس فيها مغالاة ولا إنكار، وإنني لا أدري كيف يُنكر الرؤى من قرأ القرآن وعرف أحداث سورة يوسف، أو وحي الله لإبراهيم عليه السلام بذبحِ ابنه، ورؤيا الأنبياء وحي دوناً عن الناس!
ولكن بالمقابل إن يوسف عليه السلام لم يحبس نفسه في رؤيا سجود الكواكب، لقد عاش حياته كأنه ما شاهدَ ولا رأى، تصدَّر المشهد السياسي كله، ووضع خطة عبقرية للنجاة من القحط في سبعٍ عِجافٍ لم تشهد مصر من قبل مثلهن، ثم تحققت الرؤيا!

فلا نعيش في الأحلام، ولا ننكرها، وإنما ننزلها منزلها التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: مُبشِّرات! مُبشِّرات فقط!
+
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية