في قصصهم عِبرة ٣٣
الرجلُ والظلُ!
يروي الأديبُ القصصي الروسي “إيفان كريلوف” في كتابه الماتعِ “خُرافات روسية”، أنَّ رجلاً كان يرغبُ في إمساكِ ظلِّه، فيخطو نحوه خطوة أو خطوتين، فيبتعدُ الظلُ بمقدارِ ما يخطو الرجلُ نحوه!
وأخيراً قررَ أن يكونَ أسرعَ من ظله، فبدأ يركضُ مُحَاوِلاً أن يُمسكه، ولكنه كلَّما أسرع، أسرعَ معه الظلُ كذلك، حتى أنهكه التعب!
ثم قررَ أن يكفَّ عن المحاولة، فاستدارَ وقفلَ عائداً، ولكنه وجدَ ظله يتبعه، فاعتقدَ أنه يريدُ الانتقام منه، وأن المُطارِد صارَ مُطَارداً الآن، فأخذَ يركضُ حتى وقعَ مغشياً عليه!
فيا أيُّها السادة، كثيراً ما أُلاحظُ أن المال يُعاملنا بطريقةٍ مماثلة!
يُحاولُ رجلٌ بكلِّ قوته أن يجمعَ ثروة، فلا يجد غير أنه قد أضاعَ وقته وطاقته. بينما يحاولُ آخر، حسبما تدلُّ عليه المظاهر كلها أن يهربَ بعيداً عن أنظارِ المال، ولكن كلا… فالمال نفسه يجدُ لذَّةً في مطاردته!
في الحقيقةِ هناك أشياء كثيرة في هذه الحياة لا تأتي إلا بتركها!
كثيراً ما نبذلُ الحُب لأشخاص، نهتمُ، ونُراسلُ، ونُهدي فلا نجد صدىً، ثم إذا ما رحلنا، جاؤوا يبحثون عنا أولئك الذين كُنا أمامَ أنظارِهم طوال الوقت!
شيءٌ ما لفتني في كثيرٍ من علاقاتِ الزواجِ التي انتهتْ بالطلاق، وهو أنَّ الزوج أو الزوجة استفاقوا على سماتٍ ومميزاتٍ في بعضهم البعض لم يكونوا يُدركونها أثناءَ زواجهما!
شيءُ ما فينا نحن البشر سيءٌ جداً، وهو أننا لا نُدرك قيمةَ الأشياءِ إلا بعدَ أن نَفقدَها!
والشيءُ بالشيءِ يُذكرُ، وعلى سبيلِ الأشياء التي إذا هربَ منها الإنسانُ لحقته هي الشُّهرة، الشهرةُ الحقيقةُ أعني، تلكَ التي يكونُ العبدُ فيها معروفاً في السماءِ أكثر ممَّا هو معروفٌ في الأرض!
كانَ الإمامُ أحمد يدعو أن يموتَ دون أن يعرفه من المُسلمين أحد! فماتَ ولا يجهله من المُسلمين أحد!
حين كتبَ الإمامُ النووي رياضَ الصالحينِ لم يكُنْ يبحثُ عن شُهرة، لهذا بقيَ الكتاب!
وعندما أرادَ الإمامُ مالك أن يكتبَ المُوَطَّأ قِيل له: ما الحاجة إليه وكُتب الحديثِ كثيرة؟!
فقال: ما كانَ للهِ يبقى!
وبقيَ المُوَطَّأُ لأنه منذُ البدايةِ كان للهِ!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية