في قصصهم عِبرة ٣٤
ذكاءُ المنصور!
في الطرق الحكمية لابن القيم، أنّ رجلاً جاء إلى الخليفة العباسي المنصور، وأخبره أنه خرج في تجارةٍ وكسب مالاً فأعطاه لزوجته لتحفظه، ثم طلبه منها، فقالتْ أنه قد سُرِقَ، وأنه نظر في البيت فلم يَرَ كسراً ولا خلعاً، ولا أثراً لِلِص!
فقال له المنصور: منذ كم تزوجتها؟
فقال: من سنة
فقال له: أثيِّبٌ أم بِكر؟
فقال: ثيِّباً
فقال له: ألها ولد؟
قال: لا
فدعا المنصور بقارورة طيبٍ كانتْ له، وقال للرجل: استعمل هذا فسيذهبُ بالهم الذي اعتراك!
فلما خرجَ من عنده، دعا المنصور بأربعةٍ من جنده، وأمرهم أن يتفرقوا في الطُرُقات، وأيما رجل وجدوا عليه أثر هذا العطر، يأتون به فوراً!
وخرج الرجل بالطيب، ووضعه في البيت، فأهدته المرأة لرجلٍ كانت تحبه، فوضع منه، فقبضَ عليه الجنود وجاؤوا به إلى المنصور!
فقال له المنصور: أين المال الذي أخذته من فلانة؟
فأقرَّ واعترفَ على الفور، وذهبَ وأحضرَ المال.
فدعا المنصور صاحب المال وقال له: إن رددتُ إليكَ مالكَ تحكمني في امرأتك؟
قال: نعم
فقال له: هذا مالك، قد طلَّقْتُ المرأة منك!
لا يدري المرءُ مما يعجبُ في هذه القصة، من ذكاء المنصور ودهائه، فهذا والله فعل العباقرة! أم من ستره على المرأة، فهو لم يُخبر الزوج بحقيقة زوجته، وإنما طلب َأن يكون أمرها في يده، فلما وافقَ الزوج على هذا، قام بتطليقها منه!
يُحِبُّ الله تعالى الستر على الأعراض وإن فرَّطَ بها أهلها، ومن سَتَرَ سُتِرَ، ومن تتبَّعَ عورات الناس تتبَّعَ الله عورته، ومن عيَّرَ أحداً بمعصيةٍ في الغالب لا يموت حتى يقترف مثلها!
عندما زنى ماعزٌ رضي الله عنه، استشار صديقاً له من الأنصار، فأشار عليه أن يذهب إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليقيم عليه الحد، وهكذا كان، فالحدود إذا وصلتْ للحاكم سقطتْ فيها الشفاعة!
ولكن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ ذاكَ الأنصاري بعد فترة، فقال له: أما إنكَ لو سترته بثوبكَ كان خيراً لكَ!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية