في قصصهم عِبرة ٣٦ – فراسة!

في قصصهم عِبرة ٣٦ - فراسة!

في قصصهم عِبرة ٣٦
فراسة!

روى “ابن القيم” في كتابه مفتاح دار السعادة، عن الإمام الشافعي أنه قال: خرجتُ إلى اليمن في طلب كتب الفراسة، حتى كتبتها وجمعتها، ثم لما كان انصرافي مررتُ في طريقي برجلٍ، أزرق العين، ناتئ الجبهة، لا لحية له، وهذا أخبث ما يكون في الفراسة!
فقلتُ: هل من منزلٍ عندك؟
فقال: نعم
فرأيتُ أكرم رجل، بعث إليَّ بعشاءٍ، وطِيبٍ، وعلفٍ لدوابي، وفراشٍ ولحاف!
فجعلتُ أتقلبُ طوال الليل، وأقول: ما أصنعُ بهذه الكتب؟
فلما أصبحتُ، ذهبتُ إليه مُوَدِّعاً وقلتُ: إذا مررتَ بمكة، فاسأل عن محمد بن إدريس الشافعي.
فقال لي: أمولى لأبيك أنا؟
فقلتُ: لا
فقال: فهل كان لكَ عندي نِعمة؟
قلتُ: لا
قال: فأين ما تكلَّفتُ لكَ البارحة؟
قلتُ: وما هو؟
قال: ثمن المبيت، والطعام، والطيب، والعلف، والفراش، واللحاف؟
فدفعتُ إليه المال وقلتُ له: هل بقيَ لكَ شيء؟
فقال لي: امضِ أخزاك الله، فما رأيتُ شراً منك!

كلنا التقينا بأشخاصٍ أنكرتهم قلوبنا أول مرةٍ، فلما عاشرناهم رأينا منهم خيراً كثيراً، وكم من محبةٍ جاءت من بعد عداوة، أو على الأقل من بعد موقفٍ فيه سوء تفاهم.
فإن كان من درس لهذا الذي مررنا فيه، فهو ألا ننساقَ وراء انطباعنا الأول!

ولكن بالمقابل أنا ضدَّ أن ننكر انطباعنا الأول، كثيرة هي المواقف التي أنكرت قلوبنا أصحابها، ولكننا تجاهلنا هذا التحذير، فتبيَّنَ لنا أن القلب في أحيانٍ كثيرة يقول الحقائق، وكأن له قدرة حباه إياها خالقه ليكون جهاز إنذار مبكر!

صدِّقوا تلك الأشياء التي تقولها قلوبكم دون وسوسة، في الغالب إن ما يقع في قلبك أولاً هو الحقيقة!

أدهم شرقاوي