هذا الحبيب 156  – تحريم الخمر

هذا الحبيب 156  - تحريم الخمر

هذا الحبيب 156  – تحريم الخمر
_________
نحن الآن مازلنا بعد غزوة أحد ، في السنة {{ الثالثة للهجرة }}
وكم قلنا السيرة ليست فقط غزوات وحروب ، إنما هي منهاج حياة ، فكل قول وفعل للنبي صلى الله عليه وسلم ،فهو من السيرة ، ولا بد لنا أن لا نتجاوز أمور حدثت في كل عام من حياته {{ صلى الله عليه وسلم }}
ففي السنة الثالثة من الهجرة ، وبعد وقعت أحد نزل تحريم الخمر
__________
لم يأتي تحريم الخمر فجأة ، بل كان بالتدريج
وكثير من التشريعات جاءت بالتدريج
مثل الصلاة والصيام والزكاة والجهاد وأحكام الميراث، وعقوبة الزنا وغير ذلك
فالتدرج في التشريع من أسس وركائز التشريع الإسلامي، لأنه ليس من الممكن أن ينقلب المجتمع الجاهلي الفاسد الى مجتمع صالح بين عشية وضحاها
وهكذا جاء تحريم الخمر متدرجاً في أربعة آيات
__________
المرحلة الأولى
أول ما نزل من الخمر هو قول الله تعالى في سورة النحل {{ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }}

يعني ثمرات النخيل [[ اي البلح ]] والأعناب [[ أي العنب ]]
تتخذون منه سكراً [[ يعني عندما تتدخلوا بالعنب وتخرجوه عن طبيعته فيصبح خمرا ]]
ورزقاً حسنا [[ لما تاكلوا مثل ما هو ، من غير اي تدخل هو رزق حسن ]]
بمعنى الآية تقول لنا اذا أكلت هذه الثمرات دون تدخل فهي {{ رزق حسن }}
واذا تدخلت وغيرت طبيعته، وجعلته مسكرا فهو ليس رزقاً حسنا
ولا حظوا ربنا لما ذكر {{ سكرا }} مر عليها بلا تعليق
وعندما
قال: :_ {{ رِزْقاً }} وصفه بأنه {{ حَسَناً }} فكان يجب أن نتنبه إلى أن الله يمهد لموقف الإسلام من الخمر ، فهو لم يصف (السكر) بأي وصف ، وجعل للرزق وصفا هو {{ الحسن }}
وانتهت الآية بقوله تعالى {{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}} يعنى لو عقلتم هذه الآية فقط، لعلمتم أن الخمر أمر قبيح، ولعلمتم أنه أمر لا يحبه الله تعالى ولا يرضاه لكم
___________
المرحلة الثانية
نزل بعد ذلك قول الله تعالى في سورة البقرة
{{ يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا }}
الخمر معناه الستر [[ أي توارى واختفى ]]
والخمر يستر العقل ويغيب الانسان عن وعيه إذا شربه
[[ وأكثر الناس اللي بتشرب الخمر ، بيحكي صب خلينا ننسى يعني بده ينسى هموم الدنيا
لو انسان عنده ديون وشرب الخمر هل النسيان حل المشكلة وسدّ له ديونه ؟؟ ]]
الدنيا كلها هموم ولقد قال تعالى
{{ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ }} أي كل حياته في هذه الدنيا بلاء وهم ومشقة
[[ بدك تضل تشرب وتبقى من غير عقل طول حياتك كل ما واجهتك مشكلة ]]
الله عزوجل كأنه يقول لنا ، ان الخمر فيه إثم كبير أي شربه ينتج عنه اضرار كثيرة ، وفيه منافع لإن الانسان اذا شربه نسي همومه ، واذا باعه كان له منفعه منه
ولكن اضراره اكبر بكثير ، من منافعه انت شربته عشان تنسى همومك فهو نفعك لبعض الوقت
لأن ما واجهت مشكلتك مازالت مشاكلك موجودة
الله عزوجل يريد منا أن نواجه المشاكل وليس أن ننساها [[ مش تتراكم فوق راسك المشاكل ]]
فالمشاكل تحتاج لعقل واعي مفكر يقف في وجهها ويحلها
فهذه الآية نزلت كنصيحة للمؤمنين
فهناك فرق بين التشريع والنصح
فأنت تقول لشخص : _سأدلك على طريق الخير وأنت حر في أن تسير فيه أو لا تسير
ولكن عندما تشرع وتضع الحكم ، فأنت تأمر هذا الشخص أو ذاك بأن يفعل الأمر ولا شيء سواه
كذلك الميسر [[ أي المقامرة ]] تنتفع منها بسرعة بالمال ولكنها تجلب لك اضرار اكثر ، في نفسك واهلك والمجتمع
فلم تكن مسألة الخمر في هذه الاية قد دخلت في نطاق التحريم، لأنها مازالت في منطقة النصح والإرشاد وقوله {{وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}}
فلذلك لما نزلت هذه الآية ترك بعض الصحابة شرب الخمر
وقالوا:_ لا حاجة لنا فيما فيه اثم كبير

_________
المرحلة الثالثة
جاء احد المسلمين و شرب الخمر قبل أن تحرم نهائيا
وجاء ليصلي
فقال {{قُلْ ياأيها الكافرون * أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} } بدل لا أعبد
فنزل قوله تعالى تأديباً في سورة النساء
{{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ }}
فقام بلال بعد نزول هذه الآية ينادي وقت الصلاة:_ ألا لا يقربن الصلاة سكران
وهكذا تضائل جدا الوقت الذي يمكن أن تشرب فيه الخمر لأن الصلاة تستغرق أوقات اليوم كله
وكان عمر بن الخطاب يقول بعد هذه الآية:_اللهم أنزل علينا في الخمر بياناً شافياً
____________
المرحلة الرابعة والأخيرة {{ تحريم الخمر }} بعد غزوة أحد
نزل أخيرا قول الله تعالى في سورة المائدة
{{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }}
فلما نزلت هذه الآية
قال الصحابة :_ انتهينا انتهينا
وعندما نزلت هذه الآية كان البعض يشرب الخمر ، فتوقف فورا ، وكسر الآنية التي يشرب منها
وألقي الصحابة الخمور التي في منازلهم في الطرقات، حتى أصبحت المدينة موحلة كأن مطرا قد نزل عليها
هكذا كان نزول تحريم الخمر متدرجا، لأن العرب كانوا مولعين بشرب الخمر
____________
الرد على من يجادل في تحريم الخمر
البعض يجادل أنه لم ينزل تحريم الخمر في القرآن صراحة
قال الله اجتنبوه لم يحرمها ؟؟؟
فقد قال تعالى {{ حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله }}
هنا في هذه الاية واضح تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله لقوله تعالى {{ حرمت }}
لكن لما ذكر الله الخمر لم يذكر كلمة {{ حرمت عليكم الخمر }}
قال تعالى {{ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون }}
أين التحريم ؟؟؟ قال اجتنبوه !!!
___________
الأجتناب أشد من التحريم
مثلا .. لو أن الله قال لنا
ان الاكل من الشجرة الفلانية حرام
[[فيحرم عليك الاكل من ثمر هذه الشجرة ولكن لو جلست تحتها تستظل بظلها من غير أن تاكل منها ، لا أحد يستطيع أن يتهمك أنك قمت بشيء محرم أنت لم تأكل منها ]]
ولو أن الله عزوجل قال
اجتنبوا هذه الشجرة
[[ اي لا يمكن لنا ان نستظل بظلها ، ولا نأكل منها، ولا نقربها ابدا ]]
لذلك وضح لنا النبي صلى الله عليه وسلم معنى الاجتناب في هذا الحديث الصحيح {{ لعن الله الخمر … وشاربها .. وساقيها .. وبائعها .. ومبتاعها .. وعاصرها … ومعتصرها .. وحاملها والمحمولة إليه }}
يعني أياكم ان تقتربوا منها
وفي رواية {{ واكل ثمنها }}
وفي رواية ولكن ضعيفة {{ وناظرها }} الذي ينظر إليها بتأمل ويقول في نفسه [[ نفسي اجربها ]] مع انه الحديث ضعيف ولكن انا لا استطيع النظر اليها لا على التلفاز ولا الهاتف ولا اي مقطع اغض بصري عن مشاهدتها
حتى تقليد من يشرب الخمر ، ويضرب كأسين ببعضهما قبل الشرب يدخل بالتحريم ولو كنت تشرب لبن
هم يقولون :_ ان الخمر شراب روحي .. يجب أن تستمتع به بكل حواسك .. فأنت تنظر إليها .. وتلمسها .. وتشمها .. وتتذوقها بلسانك .. يبقى حاسة واحدة هي السمع فيضربون الكؤس ببعضهما البعض قبل الشرب ليأخذ السمع لذته ايضا .. هذا من وحي ابليس لهم فهي رجس من عمله .
ويقول صلى الله عليه وسلم {{ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر }}
ويقول عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما
{{ لاتسلِّموا على شربةِ الخمر }}
_____________
الرد على من يقول أن المخدرات ليست حراما
البعض يقول أن الحشيش والمخدرات ليست حراما، لأنه لم يأت فيها نص ؟؟
قلنا الخمر معناه الستر ، اي اختفى وتوارى
وهؤلاء الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم
{{ لا تذهب الليالي والأيام حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها }}
ولكي يغلق عليهم النبي صلى الله عليه وسلم باب الجدال وأن لا حجة لكم عند الله بعد ذلك
قام بتعريف الخمر تعريفاً جامعاً ، يحرم جميع أنواع المسكرات ، طبيعية كانت أو صناعية ، قليلة كانت أم كثيرة
فقال صلى الله عليه وسلم
{{ كلٌّ مسكر خمرٌ، وكل مسكرِ حرامٌ }}
وقال
{{ مَا أَسْكَرَ كثيرهُ فقليله حرامٌ }}

ولذلك أجمع العلماء على تحريم كل أنواع المخدرات، بل قال البعض انها أشد تحريما من الخمر
____________
حاولة الدول الغربية تجربة تحريم الخمر ، في مجتمعاتها
و قد قامت بجهود جبارة للحد من شرب الخمر ولكنها باءت جميعها بالفشل
غرامات واعدامات ودعايات ولكم كلها باءت بالفشل
_________
{{ الوازع الديني }} هو أكثر عامل يساعد على العلاج من الإدمان
لقد خصصنا هذا الجزء ، عن نزول تحريم شرب الخمر، بعد غزو أحد حتى نقارن بين
١_تجربة الصحابة الناجحة بامتياز في الإقلاع عن شرب الخمر
٢_وتجربة كل دول العالم الفاشلة في الحد من شرب الخمر
___________
وهنا أقدم نصيحة أوجهها لكل {{ دور علاج الإدمان }}
[[ وانا بعرف انهم مش مقصرين ، ويواجهون صعوبات كثيرة، أبرزها هو عودة المدمن الى تناول المخدرات أو شرب الخمر مرة أخرى فيما يعرف باسم الإنتكاس ]]
وأقول لهم
تعالوا نتعلم من تجربة الصحابة وتجربة كل دول العالم
تجربة الصحابة نجحت وكل تجربة أخرى فشلت
وقد نجح الصحابة بسبب الوازع الديني
ولذلك أقول أن {{ الوازع الديني}} هو أكثر عامل يساعد على العلاج من الإدمان سواء ادمان خمر أو مخدرات
[[ ولكن للأسف هنالك مشكلة ، أنه قل ما نجد في أيامنا هذه دعاة يؤثرون بالناس ، بل ينفرون الناس ، الى الله المشتكى ، لأن ما يخرج من القلب لا يصب إلا في القلب ، ولكن الخير موجود بالأمة ]]
وأنا هنا لا أقلل من الأساليب الحديثة في علاج الإدمان
بل على العكس
بدليل أن التحريم جاء {{ متدرجا }} كما رأينا مراعاة لوجود بعض المدمنين للخمر في ذلك الوقت ، ولكن في مرحلة معينة كان الوازع الديني هو الذي انهى هذه المشكلة بالكامل
يتبع بأذن الله …