هذا الحبيب 181  – السيرة النبوية العطرة (( الخروج الى الحديبية )) البداية

هذا الحبيب 181  - السيرة النبوية العطرة (( الخروج الى الحديبية )) البداية

هذا الحبيب 181  – السيرة النبوية العطرة (( الخروج الى الحديبية )) البداية
__________
__________
بعد غزوة الأحزاب ، قلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل عدد كبير من السرايا في السنة السادسة من الهجرة
فكانت ثمرة هذه السرايا
{{ أن المسلمين هم القوة الإقليمية الأولى في الجزيرة }}وأتجه ميزان القوى بوضوح لصالح المسلمين على حساب قريش
__________
في ذلك الوقت ، وفي شهر شوال من السنة السادسة من الهجرة
رأى النبي صلى الله عليه وسلم {{ رؤيا في منامه }}
أنه صلى الله عليه وسلم وصحابته
يدخلون المسجد الحرام وقد حلقوا شعورهم
[[ أي أنهم يدخلون مكة معتمرين ]]
ورؤيا الأنبياء وحي من الله تعالى
_________
وعلى الفور أعلن صلى الله عليه وسلم ، أنه سيخرج
لأداء {{ العمرة }} ودعا كل المسلمين في المدينة للخروج معه، وكذلك الأعراب حول المدينة
كانت الفكرة مفاجئة للجميع
فالحرب بين المسلمين وقريش قائمة ، بل وفي أوجها
ولم تكن قد مرت على غزوة {{ الأحزاب }} ومحاولة قريش غزو المدينة سوى عام واحد
ومجرد الاقتراب من مكة فيه خطورة شديدة
ومع ذلك كانت قوانين الجزيرة العربية، وأعراف قريش نفسها تقضي
بألا تتعرض قريش لمن يدخل {{ مكة المكرمة }}
مهما كانت بينه وبين قريش من خلافات
بل على العكس عليها أن تقوم
١_بحمايته
٢_اطعامه وسقايته
٣_خدمته
وقد كان معروفا
{{ أن الرجل الذي يرى قاتل أبيه في مكة ، فلا يستطيع أن يتعرض عليه حتى يخرج من الحرم }}
فمكة كانت لكل العرب في الجاهلية ، ففيها {{ بيت الله }}
حتى في {{ الإسلام }} مهما كانت سياسة الدولة متوترة مع دول أخرى ، لا يحق لها منع أي مسلم على وجه الارض كلها على الإطلاق من دخول مكة المكرمة
فهي حق لكل المسلمين ، وقد توعد الله بالعذاب الأليم والخزي لمن يمنع مسلم واحد من دخول الحرم ، مهما كنت معه على خلاف
قال تعالى
{{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم}}
___________
ومع ذلك لم يكن الأمر بهذه السهولة على الصحابة
لأنه ليس هناك ما يضمن أن قريش ستحترم هذه الأعراف وقد انتهكت قريش اعرافها قبل ذلك كثيرا
ولو كان الأمر هكذا سهلا لذهب بعض المسلمين لأداء العمرة بصورة فردية
ولكن هذا لم يحدث
ولو حدث لأسرته قريش
لم تحدث سوى حالتين عمرة فقط ، منذ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم
١_الأولى بعد الهجرة مباشرة، وقد قام بها {{ سعد بن معاذ }} رضي الله عنه وأرضاه وعندما عرفه {{ أبو جهل }} تصدى له ومنعه من استكمال طوافه بالكعبة
٢_ ومرة ثانية بعد الهجرة بثلاثة سنوات، قام بها {{ثمامة بن اثال}} سيد بني حنيفة وقد رفع صوته وجهر بالتكبير ، وقد تعرضت له قريش كذلك، ولكنها لم تستطع منعه لمكانته
___________
اذن الأمر ليس سهلا ، وليس هناك ما يضمن أن قريش لن تتعرض للمسلمين
بل على العكس تاريخ قريش مع المسلمين
يقول {{ أن خروج المسلمين لأداء العمرة فيه خطورة شديدة جدا }}
ولذلك لم يستجب للنبي صلى الله عليه وسلم ، سوى المؤمنين فقط
بينما رفض المنافقون الخروج الى هذه الرحلة المهلكة من وجهة نظرهم
وكذلك لم يخرج الأعراب الذين حول المدينة
____________
فكان عدد الذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم
{{ ١٤٠٠ }} من الصحابة
ولكنه كان صف نقي خالص ليس فيه منافقون
وليس فيه أناس ايمانهم ضعيف
واذا كان الصف {{نقي طاهر فلابد }} أن النصر قريب، كما كان في بدر وكما في قصة طالوت، وغير ذلك من المشاهد
___________
خرج صلى الله عليه وسلم واصحابه في {{ ذي القعدة }}
في نهاية السنة السادسة من الهجرة
وكان مع المسلمين ، عدد كبير من الإبل لذبحها في مكة
وهو ما يسمى {{ الهدي}}
والهدي هو ما يهدى من الأنعام الى الحرم تقرباً الى الله تعالى وافضله هو {{ الإبل }}
فأشعرها وقلدها
معنى {{ أشعرها }}
هو أن يجرح أحد جانبي سنام الناقة ، ويأخذ من دمها ويلطخ به السنام كعلامة ان هذه الناقة {{ هدي لبيت الله الحرام }}
ومعنى {{ قلدها }}
هو أن يوضع في عنق الأبل قطعة جلد أو غير ذلك
وكانت العرب في الجاهلية تعلق {{ النعال اي الاحذية }} على عنقها حتى يعرف أنها هدي فلا يتعرض لها أحد
أما النبي صلى الله عليه وسلم ، قلدها فوضع على رقاب الهدي شيء آخر من الخرز الذي يستخدمونه ، جعل على عنقها قلائد دليل على أنه متجهاً للبيت الحرام ، وأنه لايريد أن يحارب احداً ، فكان محرماً معتمراً
____________
وكانت تعليمات النبي صلى الله عليه وسلم ، لأصحابه
هو الخروج بسلاح المسافر فقط
لأنه خرج لأداء العمرة ولم يخرج للحرب
ولم يحملوا معهم ملابس الحرب حتى ولو على سبيل الاحتياط
[[ وسلاح المسافر هو السلاح الذي يحمله من يريد السفر ، ولا يزيد عن سيف ، أو خنجر ، أما المحارب فانه يرتدي الدرع ويحمل الترس ويتقلد السيف ويحمل قوسه وسهامه وحربته]]
وكان الخروج بسلاح المسافر فقط حتى يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم
أنه لم يخرج لحرب ، وانما خرج لأداء العمرة ، وكان فيه دليل على شجاعة المسلمين وثقتهم بأنفسهم
وصل صلى الله عليه وسلم والمسلمون الى {{ ذي الحليفة }} وهي التي نطلق عليها الأن {{ آبيار علي }}
وهو المكان الذي يحرم منه القادمون من المدينة الى مكة، وأحرم المسلمون من هذا المكان، وبدؤا في التلبية
{{ لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .. إن الحمد والنعمة لك والملك .. لا شريك لك }}
___________
وصلت الأخبار الى قريش بخروج النبي صلى الله عليه وسلم
والمسلمون لأداء العمرة
وأجمعت قريش رأيها على منعهم دخول مكة والتصدي لهم
وكان النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه يسير على بركة الله
فعندما وصل المسلمون الى منطقة {{ كراع الغميم }}

[[ منطقة تبعد عن مكة ٦٣ كم فقط ، وجدوا أن قريش قد جمعت جيشا لصد المسلمين عن التقدم في اتجاه مكة، وكان هذا الجيش مكون من قريش نفسها ومن الأحابيش، وهي مجموعة من القبائل المتحالفة مع قريش، وقد اطلق عليها الأحابيش لتحبشها أي لتجمعها ]]
وكان هذا أول مظهر من مظاهر نية قريش منع المسلمين من أداء العمرة، وعدم احترامها للأعراف التي تقضي بعدم التعرض لمن يأتي الى مكة معتمرا
___________
واستشار النبي صلى الله عليه وسلم صحابته ، لأن الأمر خطير
وكان رأي البعض هو قتال هؤلاء الأحباش
وكان ممن تكلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه
فقال:_ يا رسول الله
الله ورسوله أعلم ، إنما جئنا معتمرين ولم نجيء لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه

[[ أي أننا لا نبدأ أحدا بقتال لأننا خرجنا معتمرين، ولكننا مع ذلك نكمل طريقنا الى مكة، فاذا اعترض هذا الجيش طريقنا قاتلناه، واذا لم يعترض طريقنا وكان لمجرد التخويف أكملنا طريقنا الى مكة ]]
فقبل النبي صلى الله عليه وسلم و الصحابة هذا الرأي واستحسنوه
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه
:_ هل من رجل يأخذ بنا عن غير طريقهم فندخل مكة من غير الطريق المألوف ؟؟

[[ لان الطريق من المدينة الى مكة معروف طريق اهل الشام فأراد ان يخالف تجمعهم وينحرف عن الطريق المعروف فيباغتهم ويدخل مكة لأنه إذا وصل و دخل مكة فلا قتال بالحرم ]]
فقال رجل ، له خبرة بالطرقات
قال :_ انا يا رسول الله
فسلك بهم عقبة وثنية [[ اي طريق وعر ومنحني لا يتسع هذا الطريق إلا لرجلين وثلاثة وهكذا ساروا طوال الليل ]]
فسار النبي صلى الله عليه وسلم ، بالمسلمين في طريق منحرف متجنبا جيش مكة، وأكمل المسلمون طريقهم، ولم يعترض جيش قريش والأحباش المسلمون
__________
فلما وصل النبي صلى الله عليه وسلم الى منطقة تسمى
{{ عسفان }} تبعد عن مكة حوالي {{ ٤٠ كم }}
علمت قريش بذلك
فأرسلت قريش لهم فرقة قوية من الفرسان
عددها {{ ٢٠٠ }} فارس
وكان على راسهم {{ خالد بن الوليد }} ووقف ورائهم جيش مكة من قريش والأحابيش
____________
وفي ذلك الوقت جاء موعد {{ صلاة الظهر }}
ووقف المسلمون يصلون الظهر
والمسلمون لم يأخروا الصلاة عن وقتها الا في
{{غزوة الأحزاب }} فقط وقد ذكرتها لكم يوم الخندق
وقف صلى الله عليه وسلم مطمئنا لصلاة الظهر
ووقف خلفه المسلمون ، وكان {{ خالد بن الوليد }} قائد فرسان المشركين يراقبهم من بعيد
وشاهد المسلمون وهم يركعون ويسجدون، والأمر يتكرر منهم
ووجد أن هناك فرصة سانحة لمهاجمة المسلمين وهم في صلاتهم
فسأل من حوله :_ هل سيصلي المسلمون مثل هذه الصلاة مرة أخرى ؟
فقال لهم بعضهم:_ نعم إن لهم صلاةً بعد هذه [[ أي العصر ]] هي أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم
___________
فتجهز {{ خالد بن الوليد }} وجهز كتيبته للإنقضاض على المسلمين في صلاة العصر
واستعد جيش مكة لذلك ، الغدر من المسلمين
[[وهذا يدل على خوف جيش مكة الشديد من المسلمين، حتى وهم بسلاح المسافر ، وقريش بكامل عتادها، وحتى وهم يملكون ٢٠٠ فارس، ولم يكن مع المسلمين فارس واحد ]]
فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم
بتشريع {{ صلاة الخوف }}
فلما حضرت صلاة العصر
ووقف صلى الله عليه وسلم يصلي بالمسلمين
{{ صلاة الخوف }} لأول مرة
فصلى وصلى خلفه نصف الصحابة
والنصف الثاني من الصحابة وقف خلف المسلمون لحراستهم وأتم صلى الله عليه وسلم صلاة ركعتين
ثم وهو في التشهد سلم الصحابة [[ اي انهوا الصلاة السلام عليكم ورحمة الله ]]
وبقي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلم
وانصرف الصحابة ووقف للحراسة
ثم جاء النصف الثاني الذي كان يقوم بمهمة الحراسة فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم
فلما رأى {{ خالد بن الوليد}} ذلك وهو يراقبهم من بعيد ذهل
وقال متعجباً :_ إن القوم ممنوعون !!!
[[وكان هذا الموقف له أثر كبير في اسلام {{خالد بن الوليد}} سيف الله المسلول رضي الله عنه ، لأنه أسلم بعد صلح الحديبية بشهور قليلة ]]
_______
بعد أن صلى المسلمون العصر
عاد {{خالد بن الوليد }} بكتيبته الى مكة ليخبر قريش ، أن محمدا ومن معه لم يأتوا لقتال ، وقد ساقوا الهدي واشعروها وقلدوها محرمين معتمرين
وكانت مكة في قمة ارتباكها ، وغير قادرة على اتخاذ أي قرار
_________
ثم انحرف الرسول صلى الله عليه وسلم بالمسلمين مرة أخرى متجنباً جيش مكة ، وأكمل المسلمون طريقهم
حتى اقترب المسلمون جدا من مكة
و وصلوا الى وادي أسمه {{ الحديبيبة }} أرضه منبسطه
وسبب تسميته {{ الحديبية }}
لان فيه {{ بئر }} ماءه قليل يبض الماء بضاً
[[ يجلس الذي يريد ان يشرب منه ساعة حتى يملئ قربته وهو يحني ظهره {{ فيحدب }} ظهر الرجل ]]
فسمي البئر {{ الحديبية }} لأنه يحدب ظهر الرجل ومن هذا البئر أخذ المكان اسمه
وهذا المكان هو الآن ضاحية من ضواحي مكة
[[أي أن المسلمين أصبح بينهم وبين مكة اثنين أو ثلاثة كيلومتر ، وأصبحوا يرونها أمام عيونهم من بعيد ]]
وأصبح الموقف شديد الحرج ، ففي أي لحظة يمكن أن يقع القتال
__________
في ذلك المكان {{ الحديبيىة }}
أراد النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يكمل طريقه ويدخل مكة
بركت ناقته القصواء ، ورفضت أن تتحرك
فزجرها النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم تقم
وحاول الصحابة أن يدفعونها
واخذوا يقولون لها :_ حل حل
[[ حل كلمة عند العرب يزجرون بها الابل اذا احرنت عن المسير ]]
ولكنها رفضت التحرك
فقال الصحابة: _ خلأت القصواء
[[ القصواء اسم ناقة النبي خلأت يعني أحرنت ورفضت المسير ]]
قالوا :_خلأت القصوى
يقول الصحابة :_ فما راعنا إلا والنبي صلى الله عليه وسلم
يرفع صوته في وجوهنا
ويقول :_ ما خلأت القصواء ، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل ، والذي نفسي بيده لا يسألوني [[ أي قريش ]] خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها

[[ القصواء وهي ناقته التي دخل عليها المدينة المنورة يوم الهجرة عندما قال لاصحابه {{دعوها فإنها مأمورة }} فالقصواء تسير بأمر الله ، تقودها الملائكة فلما رفضت التحرك علم النبي انها مأمورة ، وحبسها الله ومنعها دخول مكة كما منع فيل أبراهة
معنى ذلك فهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه ، مشيئة الله لعدم دخوله مكة ، ليحفظ الله نبيه واصحابه من غدر قريش
لذلك هو مستعد لقبول حلول أخرى غير أن يدخل المسلمون مكة ويؤدون عمرتهم ، لأن عدم تحرك الناقة وهو أمر ليس من طبيعتها فيه اشارة من الله تعالى الى عدم الدخول في قتال مع أهل مكة في ذلك الوقت وفي ذلك المكان لحكمة عند الله تعالى ]]
فعسكر النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه في ذلك الوادي {{ الحديبية }}
فقال الناس :_ يا رسول  الله نزلت بنا على غير ماء
وإن بئر {{ الحديبية }} لا يستقي منها الراكب أو الراكبان ونحن كثير
فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم :_ انظروا هل بها من ماء ؟؟
فجاؤا النبي
وقالوا :_ ليس فيها إلا الدلوين او الثلاث ؟!!
فأخذ سهماً صلى الله عليه وسلم من كنانته وأعطاه لأحد اصحابه
فقال :_ انزل فيها [[ اي البئر ]] واغرسه فيها باسم الله
فنزل الرجل
وقال :_ بسم الله وغرس السهم في وسط البئر
يقول اصحابه :_
[[وهم فوق ١٥٠٠ رجل يعني الحديث فوق المتواتر ]]
قالوا :_ والذي بعثه بالحق ، لقد أخذ الماء يفور ، وله هدير كأنه الماء يغلي بالقدور ، فما أن أسرعنا حتى أخرجنا صحابنا وإلا كان قد غرق ، ففار الماء وفاض حتى ملء البئر
[[وكان فتحت البئر كبيرة يجلس الناس حوله ]]
فجلس اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حول البئر يغترفون الماء لا يحتاجون لحبل ودلو ينتشلون الماء