هذا الحبيب 183 – السيرة النبوية العطرة (( بيعة الرضوان ))
____________
بعد أن كسُرت شوكة قريش في المفاوضات ، وأصبحوا أمام العرب في موقف {{ المتهم }}
أخذت قريش تفكر في قبول الصلح مع المسلمين
ولكن كانت هناك معارضة من شباب قريش
المتحمس أو المتهور
لأن هؤلاء الشباب نشئوا على كراهية الإسلام ، وكراهية النبي صلى الله عليه وسلم
[[ لأن عندما جاء الإسلام كانت اعمارهم مابين { ٦ الى ٩ } سنين يعني رضعوا كراهية الإسلام ، و غير ذلك مات
لكثير منهم آبائهم وأقاربهم في مواجهات مع المسلمين، مثل {عكرمة بن أبي جهل} الذي قتل أبوه في بدر وغيره الكثير، ولذلك فهم لا يتصورون عقد صلح مع المسلمين ]]
وحاولوا هؤلاء الشباب منع أي طريق للصلح
فقامت مجموعة منهم وعددهم {{ ٥٠ }} شاب من قريش
في التسلل الى معكسر المسلمين
ليقتلوا بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بغرض أن يوقعوا الفتنة بين الفريقين ، وتكون شرارة الحرب
بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقريش
_____________
وكان النبي صلى الله عليه وسلم ، قد وضع حراسة قوية حول معسكر المسلمين على مدار الساعة
وجعل قيادة هذا الحرس {{ محمد بن مسلمة }} رضي الله عنه
فلما اقترب هؤلاء الشباب من قريش ، من معسكر المسلمين ، أحاط بهم الصحابة ، وتم القبض عليهم وقيدوهم
وجائوا بهم الى النبي صلى الله عليه وسلم وهم مقيدون
[[ وكانت عملية القبض على هؤلاء الشباب كانت صعبة جدا، لأن عددهم كبير، وهم مسلحون، ولأن القبض عليهم تم دون اراقة دماء من كلا الجانبين ]]
فلما رائهم النبي صلى الله عليه وسلم ، واخبره الصحابة بخبرهم
قال صلى الله عليه وسلم :_ اطلقوا سراحهم
[[ ٥٠ شاب من قريش يطلق سراحهم ، دون حتى أن يطلب فيهم فداء، حتى يفسد عليهم مخططهم في افساد جهود المصالحة وبذلك جعل صلى الله عليه وسلم هذه الحادثة أمر في صالحه، أكد به أنه قد جاء للعمرة وليس للقتال، وأن طلبه للهدنة جاء من مركز القوي وليس الضعيف ]]
_________
وقد ذكر تعالى هذا الموقف في سورة الفتح
فقال تعالى {{ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا }}
[[ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ – فلم ينجحوا في قتل أحد، وفشل مخططهم ]]
[[ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ فلم تقتلوهم {{ بِبَطْنِ مَكَّةَ }} أي في الحديبية، لأن كما قلنا الحديبية قريبة جدا من مكة، وهي الآن ضاحية من ضواحي مكة ]]
[[مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ، بعد أن وقعوا في الأسر، وكان ذلك من توفيق الله تعالى ]]
وكان أسر هؤلاء الخمسين من شباب قريش، ثم اطلاق الرسول صلى الله عليه وسلم لسراحهم من أحد أسباب الصلح
___________
واستمر وجود المسلمون في {{ الحديبية }} أكثر من ثلاثة أسابيع
ففكر النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يرسل أحد الصحابة للكلام مع قريش مباشرة
بالرغم من أن قريش أرسلت إليه رجال من سادات العرب
وقد نقل لهم النبي صلى الله عليه وسلم ما يريد
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أراد أن يكون الكلام موجها مباشرة من المسلمين الى قريش [[ لأن الوسيط قد لا ينقل الصورة كما هي ، أو كما يريد النبي ]]
___________
فأختار النبي صلى الله عليه وسلم ان يرسل إليهم
{{ عثمان بن عفان }} رضي الله عنه
لماذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم {{ عثمان }} لهذه المهمة ؟؟
لان عثمان من {{ بني أمية }} وهي من البطون القوية
فكان في قريش أقوى بطنين
١_{{ بني هاشم }} التي منها النبي صلى الله عليه وسلم
و
٢_{{ بني أمية }} التي منها عثمان بن عفان رضي الله عنه
وكان التنافس بين البطنين على الزعامة قديم جدا وله جذور بعيدة
في هذا الوقت كانت الزعامة في مكة {{ لبني أمية }}
وكان سيد مكة {{ أبو سفيان }} وهو من بني امية ، بعد ان كانت لعم النبي صلى الله عليه وسلم ابو طالب من بني هاشم
[[ واستمر هذا التنافس حتى بعد استقرار الإسلام وكانت الحرب والفتنة الكبرى بين {{ على بن أبي طالب}} من بني هاشم و{{معاوية بن أبي سفيان }} من بني أمية ، وإذا كتب الله لي العمر وشاء الله لي ان اكمل السيرة و وصلنا لخلافة علي رضي الله عنه ، سأتناول هذا الموضوع بكل تفاصيله حتى أنقي أذهان الناس من الشوائب العالقة ]]
اذن
{{ عثمان بن عفان }} من بني أمية ولن يجرئ أحد من ايذاء عثمان في مكة
وكان {{ عثمان }} معروف بالحلم والحكمة، فله قدرة على التفاوض و {{ عثمان }} شخصية محبوبة جدا في مكة قبل الإسلام و حتى بعد اسلامه
لأنه كان من طبعه الكرم ، فكان كريماً جداً ، ودائما الإنسان الكريم يكون محبوبا
لكل هذه الأسباب
اختار النبي صلى الله عليه وسلم {{ عثمان رضي الله عنه }}
_______
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم {{ عثمان }} لقريش
وكانت مهمته
أن ينقل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
أن المسلمين قد جاءوا لأداء العمرة، ولم يأتوا لقتال أحد
وان النبي صلى الله عليه وسلم ، يعرض عليكم ثلاثة أمور
________
١- أن يدخلوا في الإسلام
٢- أن تكون هناك هدنة بين المسلمين وبين قريش، لا يكون فيها قتال، ولكن الشرط الأساسي في هذه الهدنة أن يخلو بينه وبين الناس
[[ يعني قريش لا تمنع أحد في الجزيرة من دخول الإسلام ]]
٣- واذا رفضوا هذين الشرطين فيكون القتال
_________
وكان في مكة مسلمون مستضعفين يكتمون اسلامهم خوفا من بطش قريش ، فلما سمعوا
بقدوم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، هاجت قلوبهم بالشوق لرؤية {{ حبيب الله }} صلى الله عليه وسلم
متشوقين لرؤيته وهو يطوف بالكعبة
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان :_ إذا وصلت مكة ، فبشر هؤلاء المستضعفين من المسلمين
أن النبي صلى الله عليه وسلم يبلغكم السلام ، ويبشركم
أن الله تعالى سيعز الاسلام والمسلمين
ويوصيكم بالصبر
[[ لأنهم كانوا ينتظرون رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحر من الجمر
ونحن أيضا يا رسول الله متشوقون لرؤيتك و للنظر الى وجهك
متشوقون لشربة ماء من يدك ، نتشوق للجنة و لنعيمها ويكفيني فيها نعمة واحدة ، أنك أنت فيها صلوات ربي وسلامه عليك ]]
_________
وتوجه {{ عثمان بن عفان }}
فلما انطلق عثمان
قال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم :_ لقد فاز بها عثمان فالآن يطوف بالبيت
فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم :_ما ظننته يطوف بالبيت ونحن محاصرون
فقالوا: _وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص إليه؟
انظروا ماذا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم
قال :_ ذلك ظنِّي به ألا يطوف بالكعبة حتى نطوف ولو مكث سنة ما طاف بها حتى أطوف
[[ لأن هؤلاء رجال رباهم النبي صلى الله عليه وسلم ورباهم القرآن ما ظننته يطوف لو اقام سنة لن يطوف ، النبي يعرف من يربي من الرجال ]]
____________
وصل عثمان ودخل مكة
وانطلق الى رجل من قريش من {{ بني امية }} أسمه
{{ أبان بن سعيد بن العاص الأموي}}
وطلب منه عثمان أن ينزل في جواره
[[مع أن العرف هو عدم قتل الرسل ، ولكن هذا يدل على شدة العداوة التي كانت بين قريش والمسلمين ]]
وكان {{أبان بن سعيد }} صديق حميم في الجاهلية لعثمان
فأدخله في جواره
واستقبلته قريش ، ورحبت به
[[ وكما قلنا عثمان كان محبوبا في قريش، بل وعرضوا عليه أن يطوف بالبيت عندما وجدوه ينظر الى الكعبة ]]
وقالوا له: _يا عثمان ان شئت فطف بالبيت
فماذا قال عثمان ؟؟
[[ هو لم يكن موجود عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ، ذلك ظنِّي به ألا يطوف بالكعبة حتى نطوف ولو مكث سنة ما طاف بها حتى أطوف قالها النبي بعد ان خرج عثمان ]]
قال :_ لا والله لا أطوف ورسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه محاصرون ، وقد منعوا الطواف بها ، والله لا أطوف حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه ولو مكثت بها سنة
[[ هل رأيتم النبي صلى الله عليه وسلم يعرف كيف يربي الرجال ويعرف على اي شيء رباهم ، رجال ربانيون صادقون
ذلك ظنِّي به ألا يطوف بالكعبة حتى نطوف ولو مكث سنة ما طاف بها حتى أطوف ]]
_____________
وظل {{ عثمان }} في مكة ثلاثة ايام كاملة
فعثمان لم يكن متعجلا بالخروج
١_ لأنه كان يريد أن يأخذ ردا من قريش على رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
٢_ لأن الرسالة التي يريد أن ينقلها من النبي صلى الله عليه وسلم الى المستضعفين سرا تتطلب وقتا كبيرا
__________
هنا قامت قريش بنشر اشاعة في معسكر المسلمون
وهي {{ اشاعة مقتل عثمان }}
لماذا ؟؟
ليختبروا ردة فعل النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه بهذه الإشاعة
وبالفعل وصلت تلك الإشاعة للنبي صلى الله عليه وسلم بمقتل عثمان في مكة
النبي صلى الله عليه وسلم عرف بفراسته أنها {{ اشاعة }}
كيف لا وهو الذي يقول {{ اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله }}
إذا المؤمن ينظر بنور الله ، فكيف النبي صلى الله عليه وسلم ؟؟
فقام صلى الله عليه وسلم في اصحابه وقد شاع الخبر في صفوفهم
وطلب منهم مبايعته على القتال وعدم الفرار ، بيعة الموت
[[ كأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لقريش تريدون ان تعرفوا ردة فعلنا ، هذه هي مبايعة على الموت وهم يعرفون من هم المسلمون في الحروب ]]
فأجتمعوا عند شجرة في أرض الحديبية
وقد عرفت هذه البيعة ببيعة {{الشجرة }}
لأنها تمت تحت شجرة في الحديبيبة
واسم الشجرة شجرة {{ السمُرة }} وهي شجرة كبيرة وضخمة
[[ ولذلك في غزوة {{حنين }} عند نأتي على ذكرها عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، أي عباس ! نادي أصحاب السمرة فنادى العباس بأعلى صوته : أين أصحاب السمرة ؟اي الذين كانوا في هذه البيعة مع رسول الله ]]
وعرفت ببيعة {{ الرضوان }} لأن الله تعالى قال في كتابه الكريم أنه قد {{ رضي }} الله عن أصحاب هذه البيعة فقال تعالى
{{ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا }}
وعرفت أيضا {{ ببيعة الموت }}
فبسط النبي صلى الله عليه وسلم يده
فأقبل الصحابة لمبايعته حتى ركبوا على ظهور بعضهم البعض
وعند أهل السنة أن أفضل الأمة هم
١_ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي
٢_ثم بقية العشرة المبشرون بالجنة
٣_ثم أهل بدر
٤_ثم أهل بيعة الرضوان
بايع الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فلما انتهوا وضع النبي صلى الله عليه وسلم ، يده فوق الأخرى
وقال :_هذه يد عثمان [[ وهذا دليل ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم انها اشاعة فكيف يبايع عثمان على الموت و هو مقتول ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد ان يعلم قريش ردة فعله ألستم تريدون معرفة ردة فعلنا ؟؟ هذه هي ردة فعلنا مبايعة على الموت ]]
__________
ووصلت أخبار هذه البيعة الى قريش
فأصابها الخوف والهلع، ولذلك بعد هذه البيعة مباشرة
وافقت قريش على{{ الصلح }}
يتبع إن شاء الله …