على خُطى الرَّسول ﷺ ٣٨
لا يا عائشة!
قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم مرَّةً: من أحبَّ لقاء الله أحبَّ اللهُ لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه.
فقالت له أمنا عائشة: يا رسول الله أهوَ الموت؟ فكلنا يكره الموت!
فقال لها: لا يا عائشة، ولكن المؤمن إذا حضر أجله بشّرته الملائكة برحمة الله ورضوانه، فيحبُّ لقاء الله ويحبُّ الله لقاءه. والكافر متى حضر أجله بُشِّر بغضب الله وعقابه، فيكره لقاء الله، فيكره اللهُ لقاءه!
لحظة الموت هي لحظة إخبار بنتيجة الامتحان في الدنيا!
فأما المؤمن فيرى ما له من النعيم فيحب أن يمضي إلى ربه، ويحبُّ الله تعالى هذا المجيء، والكافر يرى ما له من العذاب، فيكره أن يمضي إليه، فيكره الله هذا المجيء. ومن أجمل ما قيل عن هذه اللحظة الحاسمة:
إن المؤمن إذا عاد إلى ربِّه كان كالمسافر عاد إلى أهله، والكافر إذا عاد إلى ربِّه كان كالعبد الأبق عاد إلى سيده!
هذه اللحظة الحاسمة، لحظة نزع الروح هي التي كان يخافها الصالحون، يخافون أن تخذلهم أعمالهم، وأن لا تلهج ألسنتهم بالشهادتين، وقد رُوي العجب على آخر لحظات الصالحين في هذه الدنيا!
فهذا عبد الصَّمد الزاهد كان يقول عند موته:
سيدي لهذه الساعة خبأتُكَ، ولهذا اليوم اقتنيتك، حقِّقْ حُسن ظني بك!
وقد ختم آدم بن أبي إياس القرآن وهو مسجَّى للموت، ثم قال: بحبِّي لكَ إلا رفقتَ بي في هذا المصرع، كنتُ أوَملك لهذا، كنتُ أرجوك، لا إله إلا الله، ثم فاضتْ روحه!
علينا أن نكون تجاه هذه اللحظة الحاسمة، التي يترتب عليها النعيم الأبدي، أو العذاب الأبدي، بين الخوف والرجاء، الخوف أن تخذلنا قلة أعمالنا، فنجتهد الآن أكثر، فما زال الوقت متاحاً. وبين الرَّجاء بأن هذا الرَّب الرحيم الذي توضأنا له في برد الشتاء، وصمنا له في حر الصيف، وتصدَّقنا ابتغاء رضاه في العسر واليسر أرحم من أن يخرجنا من هذه الدنيا على غير ما سعينا له ابتغاء جنته وخوفاً من ناره!
وقد وقف الحسن على قبر، فقال لمن حوله، تُرى ما كان هذا يتمنى الآن؟
وقالوا: أن يرجع إلى الدنيا فيعمل صالحاً
فقال لهم: أنتم الآن في الأمنية، فاعملوا صالحاً!
واللهم حُسن الخاتمة!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية