في قصصهم عِبرة ٢٧
لا تكُن البادِئ دوماً!
في كتابه خُرافات يروي “روبرت ودزلي” أن صيَّاداً كان يصطادُ السمكَ على ضفةِ نهرِ التايمز، وأنه ألقى الطُّعم على نحوٍ فيه الكثير من التفنُّن، فقد صنعَهُ على شكلِ ذُبابةٍ لإغراءِ الأسماك بأكله.
رأتْ سمكة سالمون صغيرةً الطُعم، فلم تشُك للحظةٍ بكونه ذُبابة، وأرادتْ أن تنقضَّ عليه، ولكن أمها قالتْ لها: لا تتسرَّعي أكثر مما ينبغي يا صغيرتي حيث يُوجدُ احتمالٌ للخطر، بل خُذي وقتاً كافياً للتفكير، نحن لا نعرف إن كانتْ هذه ذُبابة حقاً، أم مصيدة للعدو! دعي أحداً آخر يقومُ بالتجربةِ قبلكِ، فإن كانتْ ذُبابة فعلاً فقد تنجو بنفسها، فتهجمين أنتِ، صحيحٌ أنه سيكون الهجوم الثاني، وأنه إن لم يكُن ناجحاً، فسيكون بسلامٍ على الأقل!
وما كادت السمكة الأم تتمُّ كلامها، حتى جاءتْ سمكةُ شبوطٍ، لم تشُك للحظة أن الشيء الذي أمامها هو ذبابة، فلمَّا أكلته، علقتْ في صنارةِ الصيادِ وهلكتْ!
قالتْ العربُ قديماً: في التأنِّي السلامة وفي العجلةِ النَّدامة!
على المرء أن يتريَّثَ أحياناً، لأن أغلب الأمور التي تكونُ مشجعة جداً إنما هي في الحقيقةِ فخ، والغالبيةُ العُظمى من المشاريعِ التي كانتْ تَعِدُ المُستثمرين بربحٍ هائلٍ في فترةٍ قصيرةٍ إنما كانتْ عملية نصبٍ مدبرة، إنهم يعرفون ضعف الإنسان، إنه يسيلُ لُعابه عند فكرةِ كسبٍ كبيرٍ في وقتٍ قصير!
فإذا كانت الأمور ضبابية، فتريَّث قليلاً، كُنْ المُعتبِر ولا تكُن العِبرة!
على أن الحقَّ يُقال: بعضُ الميادينِ تحتاجُ إلى شجاعة، ومن الجميلِ جداً أن يكون المرءُ فيها هو البادئ أولاً، ويا لِحظِّ من كان البادئ في طريقِ الحق، فيدخلُ التاريخ من أوسعِ أبوابه!
وعلى سيرةِ البادئين فإنَّ سعد بن أبي وقَّاص أول من رمى بسهمٍ في سبيلِ الله!
وأول من سلَّ سيفاً في سبيلِ الله طلحة بن عُبيدِ الله!
وأول من جهرَ بالقرآنِ عبد الله بن مسعود!
وأول سفير في الإسلامِ مصعب بن عمير
وأول شهيدة في الإسلام سُمية أم عمار!
وأول فدائية في الإسلامِ أسماء بنت أبي بكر
فطُوبى للأوائلِ في الحق!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية