هذا الحبيب 199  – السيرة النبوية العطرة (( غزوة ذات الرقاع ، والسرايا ))

هذا الحبيب 199  - السيرة النبوية العطرة (( غزوة ذات الرقاع ، والسرايا ))

هذا الحبيب 199  – السيرة النبوية العطرة (( غزوة ذات الرقاع ، والسرايا ))
_____________
انتهينا في الجزء السابق من {{ رسالة النجاشي }}
وتحدثنا قبل الرسائل
عن غزوة {{ خيبر }} والتي انتهت بانتصار ساحق للمسلمين وهزيمة منكرة لليهود
وتخلص النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود الذين قاموا بتجميع الأحزاب على المدينة المنورة
واستطاع قبل خيبر ان يدخل مع قريش في صلح {{ الحديبية }}
والتي في بنودها وقف القتال بين المسلمين وقريش
{{١٠ سنوات }}
وبدأت أعداد كبيرة من العرب في الدخول في الإسلام وأخذت قوة المسلمين تكبر وتنمو
__________
ولكن نبينا صلى الله عليه وسلم ، لا ينسى من غدر به ، ولا يقبل المذلة صلوات ربي وسلامه عليه
أتذكرون قبيلة {{ غطفان }} ؟؟
كم مرة غدورا بالمسلمين ؟؟
ثم كان لهم الدور الأكبر في غزوة {{ الأحزاب }} حين حاصروا المدينة {{ ٦ آلاف }} مقاتل ، وكانوا على وشك الإشتراك مع اليهود في خيبر
وغطفان هي مجموعة كبيرة من القبائل الشرسة المرتزقة الذين يعيشون على السلب والنهب وقطع الطرق
لم ينسى لهم هذه المواقف صلى الله عليه وسلم ، من الغدر
نبينا لا يرضى الذل فهو قدوة لكل القادة صلوات ربي وسلامه عليه
___________
ولذلك قرر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، تأديب {{ غطفان }} وبعض القبائل التي تأمرت على المدينة
فلم تكن هناك لحظة ضائعة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وحياة هذا الجيل من الصحابة، وهذا يفسر لنا هذا الكم الهائل من الأحداث والانجازات التي وقعت في تلك الفترة القصيرة
وكان النبي صلى الله عليه وسلم
قد سمع ايضا باجتماع قبيلتين من غطفان
وهي {{ بني أنمار }} و {{ بني مُحارب }} وأنهم يريدون الإغارة على المدينة
____________
فخرج صلى الله عليه وسلم ، بنفسه الى ديار {{ غطفان }} في جيش قوامه {{٧٠٠ }} مقاتل
وهو عدد قليل نسبيا في مواجهة {{ غطفان }}
لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يكن يريد ترك المدينة بلا جيش يحميها
ولم يكن مع المسلمين سوى {{ ٦٠ أو ٧٠ }} بعير
فكان كل ستة من الصحابة يتناوبون ركوب البعير الواحد وسار الرسول مسافة كبيرة بجيشه في عمق الصحراء
وتوغل حتى بلغ ديار {{ غطفان }} وهي إلى الشمال الشرقي من المدينة المنورة على مسافة حوالي {{ ٣٠٠ كم }} من المدينة المنورة
وهذه المسافة كبيرة جدا، والصحابة يسيرون على أقدامهم، حتى بليت نعالهم
وتلفت أقدامهم، وسقطت أظافرهم، وأخذوا يلفون الخرق وقطع القماش على أقدامهم ، فلذلك سميت هذه الغزوة
{{ بذات الرقاع }}
_________
وعندما وصل الجيش الإسلامي إلى ديار {{ غطفان }}
كانت الظروف كلها في صالح غطفان
فأعدادهم كبيرة، والمعركة في ديارهم، وفي الطرق والدروب التي يعرفونها جيدا
والمسلمون أعدادهم قليلة، وهم قادمون من مسافة بعيدة، ومرهقون وقد تلفت أقدامهم من السير في الصحراء
ومع كل هذه الظروف التي في صالح {{ غطفان }}
فإن غطفان اصابها الرعب وانسحبت من أمام المسلمين
ولم تكن هذه المرة الأولى التي ينسحب فيها أعداء المسلمين خوفا منهم
وكان ذلك توفيقا من الله تعالى
لذلك كان يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
{{ نصرت بالرعب مسيرة شهر }}
[[يعني أي قوم سمعوا بتحرك جيش محمد صلى الله عليه وسلم من مسيرة شهر ، كانت تنخلع قلوبهم رعباً وفزعاً ]]
وهذا هو الإعداد الذي أمر الله به نبيه ، لا كما يفهمه الناس اليوم
قال تعالى {{ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}}
الإعداد هنا القوة الإيمانية ومعطوف عليها رباط الخيل هو السلاح
فالمؤمن الحق صاحب الإيمان الصادق ، الذي يقفو اثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واصحابه
إيمانه يهز قلوب الاعداء واذنابهم وشياطينهم ، وله رهبة في قلوبهم
هذا ما يخيفهم ويرعبهم ، المؤمن الصادق لأنهم يعلمون أن هذه الفئة لا تلتفت لتطور السلاح ، وقوة العدو ، متوكلون على الله و بإيمانهم فقط ، لو وقفت الجبال في وجههم لأزالوها
وكيف يصل المؤمن لهذا الايمان ؟؟
بأتبعه سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وتعلم سيرته
عاد المسلمون الى المدينة دون قتال
وكان صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة {{ ذات الرقاع }}
قد كسر الجناح الثالث ممن اشتركوا في غزوة الاحزاب
١_ اليهود الذين حزبوا الأحزاب كسر جناحهم
٢_وقريش التي اشتركت بأربعة آلاف مقاتل ، كسر جناحهم
٣_ثم غطفان التي اشتركت بستة آلاف مقاتل، كسر جناحهم
___________
ولم ينتهي الأمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة
بل ارسل {{ ٦ }} سرايا متتالية الى قبائل غطفان وغيرها
ولم تجتريء قبائل غطفان بعد غزوة {{ ذات الرقاع }} وبعد هذه السرايا أن ترفع رأسها مرة أخرى أمام المسلمين، بل استكانت شيئا فشيئا حتى استسلمت، ثم أسلمت واحدة بعد الأخرى
ونذكر بعض هذه السرايا بأختصار حتى ننهي هذا الجزء
________
١_ سرية {{ غالب بن عبد الله الليثي }} رضي الله عنه
الى {{ بني الملوح }}
طبعا هذه السرية قبل غزوة {{ ذات الرقاع }}
وكان سبب السرية
ان {{ بني ملوح }} قد قتلوا بعض أصحاب صلى الله عليه وسلم فأرسل اليهم النبي صلى الله عليه وسلم
{{ غالب بن عبد الله الليثي }} ومعه {{ ١٧ رجل }} فوصلوا اليهم قبل غروب الشمس
فلما كان الليل أرسلوا أحد الصحابة و اسمه
{{ جندب الجهني }} ليستطلع
فبينما هو منبطح خرج رجل من القوم من خيمته
فقال لأمرأته: _اني أرى على التل سوادا [[ اي خيال ]]
لم أره في أول يومي، فانظري الى أوعيتك لعل الكلاب تكون قد جرت منها شيئا
فنظرت ثم قالت :_ ما فقدت من أوعيتي شيئا
فقال لها:_ ناوليني قوسي وسهمين ، فأرسل أحد السهام فأصابت {{ جندب }} فانتزعه جندب وثبت مكانه لا يتحرك فارسل سهم آخر فوقع في منكبه فانتزعه وثبت مكانه
فقال الرجل لأمرأته :_ لو كان ربيئة للقوم لتحرك [[ الربيئة هو العدو الذي يراقب من بعيد ]]
لقد خالطه سهمان ولم يتحرك، فاذا أصبحت فاتي بالسهام لا تمضغها الكلاب
ثم دخل الى خيمته مرة أخرى
فلما اطمأنوا وناموا شن المسلمين عليهم الغارة في الليل وقتلوا منهم من قتلوا وساقوا الانعام
ثم طاردهم عدد كبير من {{ بني الملوح }}
حتى اذا قربوا من المسلمين نزل سيل عظيم
ولم يكن في السماء سحابة واحدة
وكان بين الفريقين وادي فامتلأ الوادي بالماء فحال بين الفريقين، ونجا المسلمين من مطارديهم، وشاهد الأعداء المسلمين وهم يسوقون أنعامهم متوجهين الى المدينة، ولم يستطيعوا الإقتراب منهم
____________
٢_ سرية {{ ابو بكر الصديق }}
الى {{ بني فزارة }} يتبعون لإغطفان
وقد اغاروا عليهم بعد صلاة الفجر و غنموا منها المسلمون ورجعوا
___________
٣_ سرية {{عمر بن الخطاب }}
الى {{ هوازن }}
ارسل النبي صلى الله عليه وسلم {{ عمربن الخطاب }} ومعه
{{ ٣٠ رجل }} الى هوزان
فلما وصل الخبر الى {{ هوزان }} هربوا جميعا من الخوف
فلما وصل {{ عمر بن الخطاب }} الى مكان لهم اسمه {{ تُربَة }} لم يجدوا أحد منهم فانصرفوا راجعين الى المدينة
_________
٤_ سرية {{ غالب بن عبد الله الليثي }} هذا الصحابي رضي الله عنه خرج على رأس سريتين ذكرنا الاولى وهذه الثانية
ارسله صلى الله عليه وسلم الى {{ بني عوال }} و {{ بني عبد بن ثعلبة }} في ناحية نجد
وكان معه {{ ١٣٠ رجل }} من الصحابة
فهجموا عليهم جميعا ، وقتلوا جمعا من أشرافهم واستاقوا الانعام والشاة ، ولم يأسروا أحدا
وفي هذه السرية قتل أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما الرجل الذي قال:_ لا إله إلا الله
يقول اسامة :_ كان رجل من القوم اسمه {{ نهيك بن مرداس }} إذا أقبل القوم كان من أشدهم علينا [[ أي يقاتلهم بقوة وشجاعة ]]
فعندما انهزموا
يقول اسامة :_ فتبعته أنا ورجل من الأنصار، فرفعت عليه السيف
فقال :_ لا إله إلا الله ، فكف الأنصاري [[ اي توقف عن قتله ]]
يقول اسامة :_ فطعنته برمحي حتى قتلته
[[ لما وجد هذا الرجل انه سيقتل قال: لا أله إلا الله كي لا يقتله اسامة ، ولكن أسامة بن زيد قتله ]]
يقول اسامة :_ ثم وجدت في نفسي من ذلك موجدة شديدة حتى ما أقدر على أكل الطعام [[ شعر اسامة انه قام بفعل منكر ، نفسه تلومه ، حتى لم يستطيع ان ياكل من الهم]]
فلما قدمت المدينة استقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبلني واعتنقني
[[ لان اسامة يعتبر عند رسول مثل ابن ابنه ، ابوه زيد بن حارثة ، تربى في بيت النبي وكان يطلق عليه زيد بن محمد فأبطل الله التبني ولكن بقيت المشاعر كما هي ]]
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث {{أسامة بن زيد }} يسأل عنه أصحابه ،ويحب أن يُثنى عليه خيرا [[ كان يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يسمع اخبار اسامة بالقتال وانه قام بأعمال بطولية ايمانية ]]
فلما رجعوا لم يسألهم عنه
فأخذ الصحابة يحدثون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اسامة وبطولته [[ لأنهم يعلمون ان النبي يحب ان يثنى عليه خيرا ]]
واسامة بن زيد ، كان في مقتبل العمر شاب صغير
قالوا :_ يا رسول الله لو رأيت ما فعل أسامة ولقيه رجل
فقال الرجل {{ لا إله إلا الله }} فشد عليه أسامة فقتله
[[ هم يظنون ان هذا العمل بطولي لأسامة ]]
يقول الصحابة فما راعنا إلا والنبي صلى الله عليه وسلم رفع راسه الشريف ونظر الى اسامة مغضبا
وصاح بأسامة وقال :_ يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟؟
فقال أسامة رضي الله عنه: _ إنما قالها خوفا من السلاح
[[ أي لم يؤمن قالها خوفا ]]
فقال له النبي :_ فهلا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب‏ ؟‏‏
[[ انت فتحت قلبه وعرفت نيته ، نحن علينا بالظواهر والله يتولى السرائر هكذا فليكن المؤمن ]]
فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟
أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟؟ !!!!
أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟؟ !!!
قال أسامة:_فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم
[[ يعنى تمنى لو كان قد أسلم بعد هذا اليوم لأن الإسلام يجب ما قبله ]]
حتى تعلموا يا خير أمة ، كم قدرك كبير عند الله ، يا من اكرمكم الله بقول {{ لا اله إلا الله محمد رسول الله }}
وكيف ان دم المؤمن عند الله عظيم
كان يطوف صلى الله عليه وسلم حول الكعبة فنظر إليها
قال:_ مرحبا بك من بيت، ما أعظمك، وأعظم حرمتك ، والذي نفس محمدا بيده للمؤمن أعظم عند الله حرمة منك
محمد صلى الله عليه وسلم {{ حبيب الله }} فهو في اعلى درجة
ولكن انتم يا من آمنتم بالله ، وعبدتموه ولم تروه وتحبوه وتخافوه ، انتم ايضا من {{ احباب الله المقربين }} لم تأتي أمة من البشر كلهم مثلكم ، كل الأمم كانوا يقولون الرب ، الآلهة
انتم فقط اكرمكم بأن تنطقوا بأسمه بألسنتكم {{ الله }} وليس فقط اسمه وعلمكم اسماءه الحسنى لتدعوه بها ، لم يعطي هذه الكرامة لأمة غيركم
من عظيم حبه لكم من بين سائر البشر
فكنتم خير أمة أخرجت للناس
اعتز بدينك فأنت عزيز ، ممتدة عزتك من الله ورسوله وملائكته ، وسترى بعينك يوم القيامة مقامك بين كل الأمم إن كنت عبدا صادقا لله
وكيف يرفعك بين الخلق جميعا كل الخلق ينظرون إليك
يباهي بك الخلائق ، انظروا الى عبدي فعل كذا وكذا يبتغي مرضاتي اشهدكم أني قد رضيت عنه [[ الشهرة مذمومة في الدنيا ممدوحة في الآخرة ]]
فوالله واقسم برب السماوات والارض ، لم يضع الله محبته ومحبة نبيه صلى الله عليه وسلم في قلب عبد إلا كان ذلك دليل على حب الله لهذا العبد
قال تعالى
{{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ }} فقدم محبته فإذا أحبك رزقك حبه وحب نبيه وحب ما أحب الله

يتبع إن شاء الله {{ عمرة القضاء }} وفيها الدروس والعبر