هذا الحبيب 211 – السيرة النبوية العطرة (( أحداث متفرقة وقعت بعد فتح مكة ، وتحطيم الأصنام ))
__________
قلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن قريش
وقال لهم :_ أذهبوا فأنتم الطلقاء
فسمي أهل مكة ، من أسلم منهم بعد الفتح {{ الطلقاء }}
ثم قال صلى الله عليه وسلم
إن مكة حرَّمها الله يوم خلق السماوات والأرض، ولم يحرمها الناس
فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً ،ولا يعضد بها شجرة [[اي يقطع شجرة ]] فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يؤذن لكم [[ أي عن الذين قاتلهم خالد ]]
وإنما أذن لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحُرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب .
[[ فمكة إذن حرم لا يسفك بها دم اي القتل والصيد
ولا يقطع شجرها وقد جاء العلم الحديث يثبت للناس ان النبات يتألم كما يتألم الانسان إذا ما كسرت منه غصن او نتفت له ورق ]]
ولأن مكة حرمة فلا يؤذى بها انس ولا حيوان ولا نبات
اتم كلماته صلى الله عليه وسلم وهو على باب الكعبة ثم نزل
يستقبل بيعة من يريدون الدخول بالاسلام فتزاحمت قريش تبايعه على الاسلام بعد هذا العفو الكريم
وجلس في صحن الكعبة و وقف بجانبه ابو بكر ، وعمر
وكان علي بين يديه يقدم له الناس افواجاً ، ليبايعوه
________
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل دخول مكة قد أهدر دماء رجال ونساء من قريش
سنأتي على ذكرهم بالتفصيل [[ وكل واحد واسمه وقصته وكيف اسلم ]]
________
وكان النبي صلى الله عليه وسلم ، لا يزال يحمل مفتاح الكعبة
فطلب {{ العباس بن عبد المطلب}} من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه مفتاح الكعبة
فيكون له ولأبنائه من بعده ولبني هاشم شرف {{ السدانة}} يعني شرف الإحتفاظ بمفتاح الكعبة، والعناية بشئونها من تنظيف وكسوة وغير ذلك
وكان العباس له شرف {{ السقاية }} أي سقاية الحجيج
والسقاية كانت حوض ، يوضع فيها الماء العذب لسقاية الحاج، وفي بعض الأوقات كانوا يضعون فيه التمر والزبيب
وبعد فتح مكة
كان لزمزم حوضان
١_حوض بين زمزم والركن يشرب منه الناس
٢_ وحوض من ورائه للوضوء
حتى ان النبي صلى الله عليه وسلم أراد ان يغترف دلو من زمزم ليشرب منه يوم فتح مكة ، فخشي أن يأخذها المسلمون من بعده سنة ، وتذهب السقاية من العباس ، فطلب من العباس ان يغترف له دلو من زمزم ليشرب
فأراد أن يجمع العباس بين {{ السقاية}} و{{ السدانة }}
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ، رفض ذلك فليس هناك في الإسلام ما نطلق عليه الآن {{الواسطة أو المحسوبية }}
مافي شي اسمه [[ يا قرابة ]]
وكان المفتاح في يد علي رضي الله عنه ، وكان قد أراد أن يحتفظ به عندما فتح النبي صلى الله عليه وسلم باب الكعبة ودخل لجوفها
فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم وهو في داخل الكعبة
قال تعالى {{ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها }}
فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم
طلب أيضا علي رضي الله عنه من رسول الله أن يجمع لبني هاشم السقاية والسدنة
قال له النبي صلى الله عليه وسلم :_ يا علي رد المفتاح الى عثمان فقد أنزل الله في شأنك
{{ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها }}
ودعا {{عثمان بن طلحة }} ورد اليه مفتاح الكعبة
ليس هذا فحسب بل قال له :_خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم
[[وبسبب هذا التوجيه والتحذير النبوي الكريم، لم يجرؤ أي حاكم أو سلطان على أخذ مفتاح الكعبة من بني أبي طلحة الى اليوم ]]
فلما مات عثمان انتقلت {{ السدانة }} منه الى أخيه {{شيبة}} ثم توارثها أبناءه الى يومنا هذا
وأصبح العناية بالكعبة لها هيئة تشرف عليها، ولكن ظل المفتاح في يد {{ آل شيبة }} ولا تفتح الكعبة الا بحضورهم الى اليوم
____________
ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصفا فاخذ يدعو الله تعالى ويذكره
وحانت صلاة الظهر
فأمر بلال ، فصعد بلال فوق الكعبة وأذن للصلاة
وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين، ثم ارسل مناديا ينادي:_ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلّا كسره
___________
وقال {{ أسامة بن زيد }} للرسول صلى الله عليه وسلم :_ ألا تنزل في دارك ؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم له :_ وهل ابقى عقيل لنا دارا
وعقيل هو ابه عمه ابو طالب ، شقيق علي بن ابي طالب
بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وهجرة أخوه
{{ علي بن ابي طالب }}
وموت أخوه {{ طالب }} في بدر
واستشهاد أخوه {{جعفر }} في مؤتة
وكان النبي صلى الله عليه وسلم له حق في هذه الدار، لأنها كانت ملك جده {{ عبد المطلب }}
وكان كل من هاجر من المسلمين باع قريبه داره
فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم برد هذه البيوت تأليفا لقلوب من أسلم منهم
ولأنهم هجروها في الله تعالى، فلا يرجعون فيما تركوه في الله تعالى
ثم ضربت خيمة صغيرة للرسول صلى الله عليه وسلم في {{الأبطح }} فنزل فيها وكان معه صلى الله عليه وسلم زوجتاه {{ أم سلمة وميمونة }} رضي الله عنهما
________
من الذين جائوا بعد فتح مكة الى صلى الله عليه وسلم ليسلموا بين يديه {{أبو قحافة}} والد {{أبو بكر الصديق }}
وكان {{أبو قحافة}} حين فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة، شيخا كبيرا قد تجاوز {{ ٩٠ }} عام
جاء ابو بكر الصديق رضي الله عنه ، ممسكا بيد ابيه ابو قحافة يقوده
فلما رآه المصطفى صلى الله عليه وسلم قال له:
_هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟
فقال أبو بكر: _ يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه.
فلما جلس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مسح
صلى الله عليه وسلم على صدره وقال: _ اسلم تسلم
فقال :_ أشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله
فقال ابو بكر :_ والذي بعثك بالحق لإسلام أبي طالب كان أقر لعيني من إسلامه[[ يعني أباه أبا قحافة ]] وذلك أن إسلام أبي طالب كان أقر لعينك
وكان رأس أبي قحافة ولحيته كالثغامة [[ الثغامة نبته جبلية لون زهرتها ابيض فإذا كبرت ويبست اشتد بياضها تشبه الشيب هناك صورة بالتعليق ]]
فقال: _غيروهما، وجنبوهما السواد وفي رواية {{واجتنبوا السواد }}
إذن يجب صبغ الشعر الشايب ولكن نتجنب الاسود
وقال صلى الله عليه وسلم {{ في آخر الزمان قوم يخضبون بهذا السواد لا يجدون رائحة الجنة}} رواه أبو داود والنسائي
ويقول ابن الجوزي رحمه الله:_ أول من خضب بالسواد فرعون
___________
من المواقف التي حدثت بعد فتح مكة
أن {{أبو سفيان بن حرب}} كان جالسا وهو يحدث نفسه بان يجمع للرسول صلى الله عليه وسلم بعض القبائل لحربه وكانت أحد القبائل الكبيرة لا تزال في عداء مع النبي صلى الله عليه وسلم وهي {{ هوازن }}
فبينما هو كذلك فوجىء بأن صلى الله عليه وسلم خلفه يضرب على ظهره
وقال:_ إذن يخزيك الله
فرفع {{أبو سفيان}} رأسه، فوجد المصطفى صلى الله عليه وسلم
فقال له:_ أشهد أنك رسول الله
________
و أراد {{ فضالة بن عمير }} قتل النبي صلى الله عليه وسلم
وكان شديد الكراهية للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
فلما كان فتح مكة أظهر الإسلام
ثم حمل سيفه واخفاه بين ملابسه
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت، فأخذ يدنو من النبي صلى الله عليه وسلم فلما اقترب منه
قال له النبي صلى الله عليه وسلم :_ أفضالة ؟
قال: _ نعم ، فضالة يا رسول الله
فقال له الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
:_ ماذا كنت تحدث به نفسك ؟؟
فقال: _ لا شيء، كنت أذكر الله
فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: _ استغفر الله يا فضالة
ثم وضع صلى الله عليه وسلم يده على صدر فضالة
وقال: _ استغفر الله يا فضالة
فسكن قلب فضالة
يقول فضالة: _ فوالذي بعثه بالحق نبيا ، ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إليَّ منه صلى الله عليه وسلم
_________
قلنا ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة على راحلته وهو مطأطأً رأسه تواضعا لله تعالى
وأراد أن يستلم الحجر الأسود ولكنه كان مزدحما، فأشار صلى الله عليه وسلم الى الحجر الأسود بمحجنه[[ وهي عصا كانت في يده ]] ثم بدء يطوف حول الكعبة
وكان حول الكعبة وعلى الكعبة عدد كبير من الأصنام
{{ ٣٦٠}} صنم
وكانت أقدام كل صنم مثبتة في الأرض بالرصاص، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدفع هذه الأصنام بالعصا التي معه
أو يشير اليها بهذه العصا وهو يردد قوله تعالى {{ وَقُلْ جَآء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَطِلُ إِنَّ الْبَطِلَ كَانَ زَهُوقًا }}
فيسقط الصنم على وجهه أو ظهره وينكسر
ثم أمر بأن تخرج هذه الحجارة من المسجد فأخرجت وأحرقت
_______
وأقام النبي صلى الله عليه وسلم في مكة {{١٩}} يوم
وخلال هذه الأيام أرسل صلى الله عليه وسلم عدد من السرايا لتحطيم الأصنام في المناطق المحيطة بمكة، وذلك لتطهير الجزيرة العربية من رموز الشرك والوثننية، وكانت هذه السرايا اشارة الى أن الجزيرة العربية مقبلة على مرحلة جديدة من التوحيد الإعتقادي والعملي
________
{{ مناة }}
هي أحد الأصنام التي عبدها العرب، وقد كانت طرفا في الثالوث الإلهي، وهم اللات والعزى ومناة
قال تعالى {{ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى }}
وكانت الجزيرة بها كثير من المعبودات، ولكن هؤلاء الثلاثة كانوا اهم المعبودات عند العرب، لأن العرب كانت تعتقد أن هؤلاء الثلاثة بنات الله، وبعض العرب اعتقد أن اللات ومناة بنات العزى
وكانت العرب تعظم جدا صنم {{ مناة }} حتى أنها كانت تحج اليه، وكانت في منطقة على ساحل البحر الأحمر تعرف {{ بالمُشلل }}
فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم
{{ سعد بن زيد الأشهلي }} ومعه {{ ٢٠ }} فارسا في الرابع والعشرين من رمضان لهدم هذا الصنم
ولما انتهى اليها قابله سادنها [[والسادن هو خادم الصنم، كما يمكن أن يطلق الآن على خادم المسجد الحرام، وخادم الكعبة، وخادم المسجد الأقصى]]
فقال له سادن الصنم: _ ماذا تريد ؟
فقال: _ هدم مناة
فقال له: _ أنت وذاك
فلما اقترب منها صاح السادن: _ مناة دونك بعض عصاتك
فأقبل {{سعد بن زيد}} على الصنم فهدمه
كان يعتقد أنه ستصيبه لعنة الآلهة
__________
{{ العزى }}
هو أحد أطراف الثالوث الإلهي الذي تكلمنا عنه وهي
اللات والعزى ومناة
والتي ذكرها الله تعالى فقال {{ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى }}
و{{ العزى }} اسم اشتقوه من اسم الله تعالى {{ العزيز}} ولذلك كانوا يسمون {{عبد العزى }}
وبلغ من تعظيم العرب للعزى أن جعلوا له حرما مثل حرم مكة
وكانت في مكان اسمه {{نخلة}} في شمال شرق مكة
فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد
في {{٢٥ }} من رمضان على رأس {{٣٠ }} فارسا لهدم هذا الصنم على رؤوس الأشهاد، فوصل اليها خالد فكسر الصنم وهدم البيت الذي كانت فيه وهو يردد
ويقول :_ كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك.
__________
{{ سواع }}
وكان من أشهر أصنام العرب، وقد كان يعبد منذ زمن {{ نوح}} عليه السلام
وقد ذكره الله تعالى فقال {{ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعا }} وكان هذا الصنم عند قبيلة {{هذيل }}
فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم {{عمرو بن العاص}} لهدمه في رمضان من السنة الثامنة، وكانت على بعد حوالي
{{ ٥ كم }} من مكة
فلما انتهى اليه {{عمرو بن العاص }}كان عند الصنم سادن الصنم [[ شرحت معنى السادان ]]
فلما رأى السادن الخيول، قال لعمرو بن العاص: _ ما تريد ؟
فقال له عمرو بن العاص: _ أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهدمه
فقال السادن: _ لا تقدر على ذلك
قال عمرو: _ لِمَ؟
قال: _ تُمنع
قال له عمرو: _ ويحك ! حتى الآن أنت في الباطل، وهل يسمع أو يبصر؟!
ثم تقدم {{عمرو بن العاص}} فكسره
ثم قال للسادن: _كيف رأيت؟
فقال السادن: – أسلمت لله ، اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله
يتبع إن شاء الله