على خُطى الرَّسول ﷺ ٣٠ – إنه لا بُدَّ لي أن أقول!

على خُطى الرَّسول ﷺ ٣٠ - إنه لا بُدَّ لي أن أقول!

على خُطى الرَّسول ﷺ ٣٠
إنه لا بُدَّ لي أن أقول!

أسلمَ الحَجَّاجُ بن عِلاطٍ السَّهمي قبل خيبر بأيام، وقاتل مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة، فلما انتهتْ بنصرٍ ساحقٍ للمسلمين، وقسم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الغنائم، وتزوَّج أُمنا صفية بنت حُيي بعد أن أسلمت، قال الحجاج للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إنَّ لي بمكة مالاً عند التجار، وإني أخاف إن علموا بإسلامي أن يمنعوني مالي، فائذن لي باللحوق به لعلي أتحصله.
فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: قد فعلتُ
فقال الحجَّاج: يا رسول الله، إني لا بُدَّ أن أقول/ أي سأنال منك من باب الحِيلة على قريش
فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: قُلْ وأنتَ في حِلٍّ!

فخرج الحجاج حتى أتى قريشاً وقد علموا بمسير النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى خيبر وهم ينتظرون، فلما رأوه قالوا: ما فعل محمدٌ بخيبر؟!
فقال: هُزم شر هزيمة، وقُتل أصحابه، وأُخذ هو أسيراً، فقالتْ اليهود: لا نقتله وإنما ندفعُ به إلى قريش تقتله بما قتل منها! وقد جئتكم أطلبُ مالي الذي عندكم كي ألحقَ بخيبر فأشتري من غنائم أهلها قبل أن يبيعوها!
ففرحتْ قريشُ بهذا فرحاً شديداً، وجمعتْ للحجاج كل ماله في يوم واحد!

وجاء العباس بن عبد المطلب ولم يكن قد أسلمَ بعد وكان مهموماً حزيناً لما سمع ما حلَّ بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: يا حجاج ما خبرٌ جئتَ به عن ابن أخي؟!
فقال له الحجاج: واللهِ يا عبَّاس عندي لكَ ما يَسُرُّكَ فتحَ الله لابن أخيك خيبرَ، وغنم أموالها، وتزوّج ابنة ملكهم حُيي بن أخطب، وقد أسلمتُ وكتمتُ إسلامي حتى آخذ مالي الذي عند قريش، فاكتم عني ثلاثة أيام حتى لا يلحقوا بي، فإذا كان بعد اليوم الثالث فأخبرهم!
وبعد ثلاثة أيام خرج العبَّاسُ فرحاً وأخبر قريشاً، فعلمتْ أن الحجاج قد خدعها!

ما لا يُدركُ بالطريق السَّوي يُدركَ بالحيلة، والمؤمن كيِّسٌ فطن، والحربُ خدعة، والكذب على العدو جائز سواءٌ كان لمصلحة المسلمين عموماً، أو لمصلحة الفرد منهم، وهذا خاص بالأعداء، ولتحصيل الحق، وليس لمن دخل بلداً كافراً بأمان الدولة فيها أن يعمد إلى السرقة واللصوصية، فسرقة الكافر كسرقة المسلم في هذه الحالة!

وانظُرْ لرحمة النبيِّ صلى الله عليه وسلم كيف أذِنَ للحجاج أن يقول عنه ما لا يُقال في جناب النبوة كي يستردَّ ماله، وفيه درس بليغ أن المسلمين عليهم أن يتعاونوا فيما بينهم لتحصيل حقوقهم سواءً فيما بينهم، أو مع أعدائهم! وإن السيرة النبوية العطرة ليست تاريخاً ميتاً، ولا حوادث جامدة تُروى للتسلية، وإنما هي دروس في الحياة والعقيدة، يستشفُّ منها المسلمون منهاج حياتهم في كل العصور!

أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية